للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يكتفي الصيادي بهذا الكذب الأبلج على الله سبحانه وتعالى فإن الله لم يخاطب أحداً بمثل هذا الخطاب المزعوم، فخطاب الله لصفوة أوليائه وهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يكن فيه عشر معشار هذا المدح بل كان عامته تأديباً وعتاباً؛ كمثل قوله لنوح: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود: ٤٦] وذلك لمجرد قول نوح: رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي [هود: ٤٥] وكذلك قوله لإبراهيم: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: ١٢٤] عندما طلب إبراهيم أن يكون من ذريته أئمة .. وقوله لمحمد صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: ٥٦] وقوله سبحانه وتعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران: ١٢٨] وقوله: عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ َ [التوبة: ٤٣] وقوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس: ١] وقوله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ [الأحزاب: ٣٧] هذا بعض من خطاب الله في قرآنه لرسله فانظر كيف يزعم هذا الصيادي أن الله كتب في صحيفة له "هذا أبو البراهين، هذا سيف الرسالة المسلول على أهل الضلالة .. هذا الإمام الأوحد الرباني .. باني مباني الطريقة المرضية الرفاعية .. هذا شمس الإفاضة المصطفوية للذرات كلها .. " .. الخ، هذا الكفر والضلال وهذا الكذب الصريح .. ومثل هذا لو كان يسمى باللغة تجوزاً مدحاً فإن أسقط الساقطين ينزه أن يمدح غيره بمثل هذا الكلام فلو أن شاعراً متملقاً كاذباً قام يمدح رجلاً بمثل هذه الأوصاف لاستحق السقوط واللعنة، ولرمي بالتزلف والجهالة والمبالغة الممقوتة، ورفع الإنسان الحقير عن مكانته. فكيف يسوغ أن ينسب مثل هذا الكلام الحقير الذي يقع في آخر سلم المدح الممجوج فينسب إلى رب العباد سبحانه وتعالى؟ أيليق أن ينسب مثل هذا التزلف الحقير لله جل وعلا .. ؟

ولا يكتفي الصيادي بالكذب المكشوف هذا على رب العالمين فيكمل بعد ذلك كذبه على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فيقول أنه بعد أن قرأ هذه الرسالة (الربانية) التي كانت فوق مقام إبراهيم انجلى له مظهر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ناداه قائلاً: "قد ملأناك علماً وفهماً ومدداً وقدرة وبهاءً وعرفاناً ونوراً وحظاً كبيراً، ورفعنا لك منبراً لا يسقط، ووهبناك ناطقة تتدرج كتائب مددها في الأكوان فلا تسكت إلى يوم الدين، أنت هو القبول عندنا، المؤيد بنورنا، المبارك بعلمنا، المنصور بمددنا، نوالي من والاك، ونعادي من عاداك، ونصون بعون الله من حاماك، يرفع علمك من أفلاذ بيتنا حبيب لنا فأعد عليه نظر حنانك، وعلمه رقرقة قلبك وناطقة لسانك، ولا توافق أهل البدعة، ولا تلايم أرباب الدعوى، ولا تجنح بالقلب ولا باللسان إلى القول بالوحدة المطلقة، ولا تتعمق بالكلام على الذات والصفات، ولا تعمل الفكر في المتشابهات، خذ ما أخذ أجدادك الآل الطاهرين، وسر سير الصحابة، واتبع مناهج السلف، ووافق إماماً ترتضيه من أئمة المذاهب المتبعة اليوم، فالأربعة على حق ولا تقلد غير نبيك، وتحقق بالحب لله ولكتابه ولرسوله، ولا تشق العصا، ولا تجمع القلوب عليك بل اجمعها على الله، وعلى شريعة نبيك، وعليك بمشرب جدك السيد أحمد الرفاعي، واثبت على طريقته فإنها الطريقة المحمدية الحقة ..

واعلم أنك اليوم خاتمة الصديقين وشيخ الطريقة القويمة المحمدية ثم الأحمدية .. وأنت سيد الآل فمن دونهم وصل علي وسلم" أ. هـ منه بلفظه (البرقمة ص٨٣).

ويزعم الصيادي أنه بعد أن سمع خطاب الرسول هذا غاب عن نفسه ستة أشهر كاملة، لا يصحو إلا أوقات الفروض فقط، وأنه شكر الله بعد ذلك إذ جاءته هذه النعمة الكبرى على يد طير صغير (برقمة البلبل ص٨٢) .. فانظر إلى هذا الإسناد العجيب "حدثنا الصيادي حدثنا البلبل قال الله تعالى .. " فأين نضع هذا البلبل يا علماء الحديث وعلماء الأصول .. هل هو عدل ضابط، وهل الذي يحدث عن بلبل أيضاً يكون عدلاً ضابطاً .. وليتهم لم يقحموا اسم الله واسم رسوله في هذه الخرافات الممقوتة والمدح الكاذب لأنفسهم! وليتهم إذا أرادوا هذا العلو في الأرض وأكل أموال الناس بالباطل سلكوا غير هذا السبيل! فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

المصدر:الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق

<<  <  ج: ص:  >  >>