للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخذ شيخهم المشتكي ينتصر للبسهم الأطواق وذكر أن وهب بن منبه روى أنه كان في بني إسرائيل عابد وأنه جعل في عنقه طوقاً في حكاية من حكايات بني إسرائيل لا تثبت. (فقلت) لهم: ليس لنا أن نتعبد في ديننا بشيء من الإسرائيليات المخالفة لشرعنا، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال: ((أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حياً ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم)) (١) وفي مراسيل أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع بعض أصحابه شيئاً من كتب أهل الكتاب فقال: ((كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتاباً غير كتابهم أنزل إلى نبي غير نبيهم)) (٢) وأنزل الله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت: ٥١].

فنحن لا يجوز لنا اتباع موسى ولا عيسى فيما علمنا أنه أنزل عليهما من عند الله إذا خالف شرعنا، وإنما علينا أن نتبع ما أنزل علينا من ربنا ونتبع الشرعة والمنهاج الذي بعث الله به إلينا رسولنا. كما قال تعالى: فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة: ٤٨]. فكيف يجوز لنا أن نتبع عباد بني إسرائيل في حكاية لا تعلم صحتها؟! وما علينا من عباد بني إسرائيل؟! تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [البقرة: ١٣٤] هات ما في القرآن وما في الأحاديث الصحاح كالبخاري ومسلم وذكرت هذا وشبهه بكيفية قوية.

فقال هذا الشيخ منهم يخاطب الأمير: نحن نريد أن تجمع لنا القضاة الأربعة والفقهاء ونحن قوم شافعية.

(فقلت) له هذا غير مستحب ولا مشروع عند أحد من علماء المسلمين؛ بل كلهم ينهى عن التعبد به ويعده بدعة، وهذا الشيخ كمال الدين بن الزملكاني مفتي الشافعية ودعوته وقلت: يا كمال الدين! ما تقول في هذا؟ فقال هذا بدعة غير مستحبة بل مكروهة. أو كما قال. وكان مع بعض الجماعة فتوى فيها خطوط طائفة من العلماء بذلك.

(وقلت) ليس لأحد الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأشك هل تكلمت هنا في قصة موسى والخضر؛ فإني تكلمت بكلام بعد عهدي به.


(١) رواه أحمد في ((المسند)) (١٥١٩٥) (٣/ ٣٨٧) , وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٥/ ٣١٢) , قال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٢/ ١٢٢): إسناده على شرط مسلم, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ١٧٩): فيه مجالد بن سعيد ضعفه أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما, وحسنه الألباني في كتاب ((السنة)) (٥٠).
(٢) رواه أبو داود في ((المراسيل)) (٢/ ٣٢) , قال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٤٢٣): مرسل, وكذا ابن القيم في ((الصواعق المرسلة)) (٣/ ٨٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>