للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول ابن عطاء الله السكندري: إن طريقة الشاذلي تنتسب إلى الشيخ عبدالسلام بن مشيش، والشيخ عبدالسلام ينتسب إلى الشيخ عبدالرحمن المدني، ثم واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب

وبعد مدة من الزمن وبقائه عند ابن مشيش قال له شيخه ابن مشيش: يا علي، ارتحل إلى أفريقية واسكن بلداً بها تسمى شاذلة، فإن الله يسميك شاذلياً، وبعد ذلك تنتقل إلى مدينة تونس وبعد ذلك تنتقل إلى بلاد المشرق، وترث فيها القطبانية

ولما ورث القطبانية "وظهر بالخلافة الكبرى والولاية الكثرى والقطبية العظمى والغوثية الفردى، وخصّه الله بعلوم الأسماء ومن عليه بأعلى مقامات الأولياء، وخصوصيات الأصفياء، وانفرد في زمانه بالمقام الأكبر والمدد الأكثر والعطاء الأنفع والنوال الأوسع، بدأ يقول كما ذكروا عنه أنه قيل للشيخ أبي الحسن: من هو شيخك؟

فقال: كنت أنتسب إلى الشيخ عبدالسلام بن مشيش، وأنا الآن لا أنتسب لأحد، بل أعوم في عشرة أبحر: خمسة من الآدميين، النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وخمسة من الروحانيين، وجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح الأكبر.

و"تصرّف في أحكام الأولياء ومددها بالإذن والتمكين، وانفراد بسؤددها حق اليقين، وأمدّ الأولياء أجمعين، وكذا الصديقين، ونال مقام الفردانية الذي لا يجوز المشاركة فيه بين اثنين، وأجمع على ذلك من عاصره من العلماء العارفين والأولياء المقربين وخواص الصديقين، وشهد بقطبانيته وفردانيته الجمّ الكثير" (٩٤).

وبدأ يقول:

"والله لقد جئت في هذا الطريق ما لم يأت به أحد" (٩٥).

حتى تعالى وتفاخر:

"قدمي على جبهة كل ولي لله" (٩٦).

ومن الجدير بالذكر أن الدكتور عبدالحليم محمود الذي تولّى مشيخة الأزهر، وتخرّج من جامعة فرنساوية كتب كتاباً في تمجيد الشاذلي ومدح الشاذلية، ففي ذلك الكتاب يذكر أن الله كلّمه على جبل زغوان، الجبل الذي اعتكف الشاذلي فيه في قمته، وتعبّد وتحنّث، والذي يذكره نقلاً عن صاحب كتاب (درة الأسرار):

" قرأ الشيخ على جبل زغوان سورة الأنعام إلى أن بلغ إلى قوله تعالى: وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا [الأنعام:٧٠] أصابه حال عظيم، وجعل يكررها ويتحرك، فكلما مال إلى جهة مال الجبل نحوها ... وما كانت حياته على الجبل إلا على نباتات الأرض وأعشابها" (٩٧).

وعلى هذا الجبل ارتقى منازل، وتخطّى مراتب حيث "نبع له عين تجري بماء عذب.

ثم بدأت الملائكة تحفّ بأبي الحسن، بعضها يسأله فيجيبه.

وبعضها يسير معه.

ثم تأتيه أرواح الأولياء زرافات ووحداناً تحفّ بأبي الحسن وتتبرك به (٩٨).

وبعد تجاوز هذه المراتب كلها التي أهّلته لأن يخاطب الرب بدون واسطة ولا ملك، كلّمه الرب تبارك وتعالى حسب قول ذلك الدكتور، فقال له:

"يا علي، اهبط إلى الناس ينتفعوا بك.

فقلت:

يا رب أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخاطبتهم.

فقيل لي:

انزل فقد أصحبناك السلامة، ودفعنا عنك الملامة.

فقلت:

تكلني إلى الناس آكل من دريهماتهم.

فقيل لي:

انفق علي، وأنا الملي، إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب.

ونزل الشاذلي رضي الله عنه من على الجبل ليغادر شاذلة، ويستقبل مرحلة جديدة، فقد انتهت المرحلة الأولى التي رسمها له شيخه.

وقبل أن نغادر معه شاذلة إلى رحلته الجديدة نذكر ما حكاه رضي الله عنه فيما يتعلق بنسبه إلى شاذلة، قال:

قلت يا رب لم سميتني بالشاذلي، ولست بشاذلي.

فقيل لي:

يا علي، ما سميتك بالشاذلي وإنما أنت الشَّاذُّلِي بتشديد الذال المعجمة، يعني: المفرد لخدمتي ومحبتي" (٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>