للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين القرآن أنه لا ينبغي أن يدعو المؤمن غير الله ولا يستعين إلا به ولا يطلب كشف كرب أو جلب النفع ودفع الضرر من أحد غيره نبيا أو ملكا أو غيره من الكائنات، وأن من يفعل ذلك فقد أشرك مع الله غيره وحبط عمله وكان في الآخرة من الخاسرين: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون: ١١٧]، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: ٥]، قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء: ٥٦].

فهذه الآيات فيها الدلالة الواضحة على النهي عن اتخاذ الوسائل ودعاء غير الله سبحانه، بل الواجب إخلاص العبادة لله والتوجه إليه وحده فمنه وحده النفع والضر والمنع والعطاء. ويقول ابن تيمية: "من يدعي القول بضرورة واسطة بينه وبين الله، إن أراد أنه لابد لنا من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر به وما نهى عنه، ولا يعرفون ما يستحقه من أسمائه الحسنى وصفاته العلى وأمثال ذلك إلا بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده. . إلى أن قال: "وإن أراد بالواسطة أنه لابد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم، يسألونه ذلك، ويرجعون إليه فيه، فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار، ثم قال: " وقال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذ أَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: ٧٩ - ٨٠]، فبين سبحانه أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كفر، فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين " (١).وقال الإمام الحافظ بن عبد الهادي في رده على السبكي، " وقوله- أي وقول السبكي- إن المبالغة في تعظيمه، أي تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، واجبة: إن أريد به المبالغة بحسب ما يراه كل أحد تعظيما، حتى الحج إلى قبره والسجود له والطواف به، واعتقاد أنه يعلم الغيب وأنه يعطي ويمنع ويملك لمن استغاث به دون الله الضر والنفع، وأنه يقضي حوائج السائلين، ويفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء ويدخل الجنة من يشاء، فدعوى المبالغة في هذا التعظيم مبالغة في الشرك وانسلاخ من جملة الدين " (٢).


(١) ((مجموع الفتاوى)) (١/ ١٢١ – ١٢٤ – ١٢٦). بتصرف.
(٢) ((تيسير العزيز الحميد))، (ص٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>