للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الأنبياء والأولياء وسيد ولد آدم وهو المرسل من عند الله، لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ولا يملك هداية شخص أو إلهامه، فمن باب أولى أن أهل الأرض جميعا لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، إلا بإذن الله، ومن ثم فإن دعوى أصحاب هذه الطريقة وغيرها من الطرق أنهم يستطيعون التصرف في أقدار الله الكونية وأن بيدهم النفع والضر والمنع والعطاء دعوى باطلة فاسدة مخالفة لتعاليم الإسلام وأصوله. بل إن مثل هذا الاعتقاد قد يؤدي إلى الكفر، وهو شبيه باعتقاد النصارى في المسيح وغلاة الشيعة في علي. يقول ابن تيمية في تفسير معنى كلمة، "الغوث": "مثل تفسير بعضهم أن الغوث هو الذي يكون مدد الخلائق بواسطته في نصرهم ورزقهم، حتى يقول: "إن مدد الملائكة وحيتان البحر بواسطته، فهذا من جنس قول النصارى في المسيح عليه السلام، والغالية في علي رضي الله عنه، وهذا كفر صريح يستتاب منه صاحبه، فإن تاب وإلا قتل فإنه ليس في المخلوقات لا ملك ولا بشر يكون إمداد الخلائق بواسطته". ويذكر ابن تيمية أيضا أن من بين أسباب المروق من الإسلام الغلو في بعض المشائخ بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح عليه السلام، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يقول يا سيدي فلان انصرني، أو أغثني أو ارزقني أو اجبرني، أو أنا في حسبك. ونحو هذه الأقوال، فكل هذا شرك يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل، فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده، ولا يدعى معه إله آخر، والذين يدعون مع الله آلهة أخرى، مثل المسيح، والملائكة والأصنام، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو يعبدون صورهم يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: ٣]، وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ [يونس: ١٨] فبعث الله رسله تنهى أن يدعي أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة" (١).

وهكذا يتبين لنا خطورة معتقدات أصحاب هذه الطائفة، وخطر آرائهم وفساد تصوراتهم وما تضمنته من غلو قد يؤدي إلى الشرك المحقق. وهي كما أسلفنا معتقدات مصادمة لصريح القرآن الذي دل في أكثر من آية على أن الله سبحانه هو وحده المتفرد بالخلق والتصرف والتدبير والتقدير، أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف: ٥٤]، ولِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [المائدة: ١٢٠]، ونفى أن يكون لغيره سبحانه تصرف في الكون وبين أن من غير الله عاجزون عن نصرة أنفسهم فهم عن نصرة غيرهم أعجز وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ [فاطر: ١٣]، ومن ثم فإن الاستغاثة بهم لا فائدة منها ولا جدوى، بل تقود إلى الشرك أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل: ٦٢]، قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام: ٦٣ - ٦٤]. وأفحش من هذا وأنكر توجيه دعائهم واستغاثتهم بالأموات من المشائخ، لأن الميت كما هو معلوم قد انقطع حسه وحركته وأمسك الله روحه اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر: ٤٢]، ومن ثم فإن أعماله قد انقطعت فلا زيادة ولا نقصان بل إنه رهين بما كسب كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر: ٣٨]، وفي الحديث: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله. .)) (٢) الحديث، فإذا كان الميت عاجزا عن حركة نفسه فكيف يتصرف في غيره. ودعوى هؤلاء إن هذه كرامات للميتين، مجرد مغالطة واضحة، إذ أن الكرامة شيء من عند الله يكرم بها أولياءه لا قصد لهم فيها ولا تحدي ولا قدرة ولا علم، بينما هؤلاء يخاطبون مشائخهم الميتين كأنهم يسمعون، ويستغيثون بهم كأنهم قادرون، ويلجأون إليهم ويستجيرون بهم كأنهم عالمون بأحوالهم وشئونهم، فيا بئس ما يقولون وما يعتقدون.

المصدر:طائفة الختمية لأحمد محمد أحمد جلي – ص ٧٥فما بعدها


(١) انظر: ((تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد)) الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ط ٤، ١٤٠٠هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق (ص ٢٢٨).
(٢) رواه مسلم (٢٦٨٢) بلفظ (أحدكم) وورد بلفظ (الإنسان) في السنن وغيرها، والحديث صححه ابن عساكر وابن تيمية وابن خزيمة والألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>