للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: ٥]

وقال تعالى:

أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ [الأعراف: ١٩١ - ١٩٨]

هذا ولقد حكى الله عز وجل عن مشركي قريش والجزيرة عقيدتهم في الاستغاثة بالله والاستعانة بغير الله في قوله:

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [يونس: ٢٢]

يعني أنهم على الأقل في أسفارهم البحرية لا ينادون إلا الله لاعتقادهم أن غير الله ومن دون الله لا يستطيعون نصرهم في البحار ولا يقدرون عليها.

خلافا لهذا القوم فإنهم لا يستغيثون لا في البر ولا في البحر إلا بغير الله، ولا ينادون إلا غيره، كما نقلنا عن البريلوي أنه قال: إني لم أستغث في حياتي أحدا ولم أستعن بغير الشيخ عبدالقادر، كلما أطلب المدد أطلب من الشيخ الجيلاني، وكلما أستغيث استغيث به" (١).

ولأجل ذلك كتب الشيخ الآلوسي المفسر الحنفي في تفسيره تحت هذه الآية: فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير، وخطب جسيم، في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع، ولا يرى ولا يسمع، فمنهم من يدعو الخضر وإلياس، ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس، ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة، ولا ترى أحدا فيهم يخص مولاه بتضرعه ودعاه ويكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال، فبالله عليك قل لي: أي الفريقين من هذه الناحية أهدي سبيلا، وأي الداعيين أقوم قيلا؟ وإلى الله المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة، وتلاطمت أمواج الضلالة، وخرقت سفينة الشريعة، واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة، وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف، وحالت دون النهى عن المنكر صنوف الحتوف" (٢).

وأما السيد رشيد رضا المصري فإنه كتب:

وفي هذه الآية وأمثالها بيان صريح لكون المشركين كانوا لا يدعون في أوقات الشدائد وتقطع الأسباب بهم إلا الله ربهم، ولكن من لا يحصى عددهم من مسلمي هذا الزمان بزعمهم لا يدعون عند أشد الضيق إلا معبوديهم من الميتين كالبدوي والرفاعي والدسوقي والجيلاني والمتبولي وأبي سريع وغيرهم ممن لا يحصى عددهم، وتجد من حملة العمائم الأزهريين وغيرهم ولا سيما سدنة المشاهد المعبودة الذين يتمتعون بأوقافها ونذورها من يغريهم بشركهم، ويتأوله بتسميته بغير اسمه في اللغة العربية كالتوسل وغيره. وقد سمعت من كثيرين من الناس في مصر وسورية حكاية يتناقلوننها، وربما تكررت في القطرين لتشابه أهلهما وأكثر مسلمي هذا العصر في خرافاتهم، ملخصا: إن جماعة ركبوا البحر، فهاج بهم حتى اشرفوا على الغرق، فصاروا يستغيثون معتقديهم، فبعضهم يقول: يا سيد يابدوي! وبعضهم يصيح: يا رفاعي! وآخر يهتف: يا عبدالقادر يا جيلاني! ... الخ، وكان فيهم رجل موحد ضاق بهم ذرعا فقال: يا رب أغرق أغرق، ما بقي أحد يعرفك" (٣).

فالله نسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل ويحفظنا من الشرك والمشركين.


(١) ((ملفوظات)) (٣٠٧).
(٢) نقلا عن ((الآيات البينات في عدم سماع الأموات)) مقدمة (١٧).
(٣) ((تفسير المنار)) (١١/ ٣٣٨،٣٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>