للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويروي محمد بن جرير الطبري رحمه الله سبب نزول هذه الآية: وهو أنه مر شاس بن قيس ـ وكان شيخا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم ـ على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاضه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد والله مالنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار فأمر فتى شابا من اليهود وكان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم وذكرهم يوم بعاث، وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فهي من الأشعارـ وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ـ ففعل فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا, ثم قال أحدهما لصحابه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعة, وغضب الفريقان وقالوا: قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة ـ والظاهرة الحرة ـ فخرجوا إليها وتحاور الناس فانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: ((يا معشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا)) فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس وما صنع.

وهذه المحاولات لإضعاف المسلمين وتفريقهم على مبدأ "فرق تسد" ليست قاصرة على الأعداء من الخارج بل هناك أعداء أخطر منهم أعداء ينخرون في المجتمع من الداخل: إنهم المنافقون الذين ذكرهم الله في كتابه وحذر منهم وبيّن شنيع أفعالهم وفضح مخططاتهم التي يستهدفون بها الإسلام وأهله فكان منهم الإرجاف والتخذيل للمسلمين وبث الخوف من الأعداء بين المجتمع المسلم ليتنازل عن حقه ودينه يقول الله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب: ١٨]. ويقول أيضا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [آل عمران: ١٥٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>