للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الثاني: المغالاة في أئمتهم والصالحين

أولا: اعتقاد تصرفهم في الكون

١ - اعتقاد طي الزمان والمكان لأئمتهم

طائفة الديوبندية ترى وتعتقد في مشايخهم أنهم كانوا يطوون مسافات بعيدة خلال لحظات، وكانوا يزورون المسجد الحرام كل يوم، حال كونهم مقيمين بالهند، أو بأي مكان آخر بعيد من مكة المكرمة.

حكى مؤلف "تذكرة الرشيد" عن الشيخ محمود حسن النكينوي قال:

"أخبرتني حماتي (أي أمّ زوجتي) وقد أقامت بمكة اثنا عشر عاماً مع أبيها، وكانت تقية عابدة صالحة، وكانت تحفظ مئات الأحاديث عن ظهر القلب، فقالت: إن الشيخ الكنكوهي تلاميذه كثرٌ، ولكنه للأسف أنهم لم يعرفوه على كثرتهم، ففي الأيام التي أقمت بمكة كنت أرى الشيخ الكنكوهي يصلي الفجر كل يوم في الحرم الشريف، وأيضاً سمعت الناس يقولون: هذا الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، يأتي كل يوم من قرية "كنكوه" (في الهند) ".

وهناك قصة أخرى رواها الشيخ أشرف على التانوي عن الشيخ محمد إسماعيل عن الشيخ أحمد حسين قال:

"وصلت إلى بيت الله، فلقيت رجلاً حكى لي عن نفسه فقال: ذهبت إلى المدينة وأقمت بها أياماً، فرأيت محمداً صلى الله عليه وسلم في الطواف، وأمرني أن أبايع على أيدي الأسرة الصابرية، فرجعت إلى مكة المكرمة وبايعت أحد المشايخ، امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكنتُ أحضر إلى حضرة الحاج رضي الله عنه، فقلت له يوماً، سمعت من بعض المشايخ أن هناك طريقاً لو سلكه أحد بعد صلاة الظهر يصلي العصر بالمدينة الطيبة، ثم يعود ويصلي المغرب بمكة، فقال الشيخ إمداد الله: أما أنا فلا أعرف هذا الطريق، فقلت له: إن كنت لا تعرف ذلك فما حاجة البقاء في مكة؟، ثم رجعت، وبعد أيام قال لي حضرة الحاج رضي الله عنه: هيا بنا نخرج للتنزه، وأخذ بيدي في يده المباركة، وصعد بي فوق جبل ونزلنا منه فإذا نحن بالمدينة، فصلينا هناك، ثم رجعنا وصلينا الصلاة الثالثة في مكة المكرمة".

وسوف تتضح هذه المسألة أكثر بعد الإطلاع على ما قاله الشيخ أنور شاه الكشميري في شرحه لصحيح البخاري وهو يفسر قوله تعالى: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء:٥٥] وإليك النص بكامله، فلعلك تجد فيه بعض العجائب الأخرى:

"باب "قوله: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء:٥٥] "- قوله: (فكان يقرأ قبل أن يفرغ) أي معجزة، وفي رواية: أنه كان يفرغ من قراءته فيما بين أن يضع قدميه في الركابين، وذكر السيوطي عن بعض الأولياء أنه كان يختم القرآن تسع مرات في يوم وليلة، وكان الشيخ السهروردي يفعله ستين مرة في يوم، ويحكى عن ثقة أن الشاه إسماعيل ختمه بعد العصر إلى الغروب مع ترتيل، وهو بين أيدي الناس، وعند الترمذي: ص١٨٣ في"كتاب الدعوات" أن عمر بن هانئ كان يصلي ألف سجدة كل يوم، ويسبح مائة ألف تسبيحة، وصنف ابن كثير رسالة في متعلقات القرآن، ووضع فيها فصلاً جمع فيه أسماء الذين ختموا القرآن في يوم وليلة، أو دونه، فالحكاية في مثله قد تواترت، بحيث لا يسوغ منها الإنكار، ولكن من يحرم عن الخير يجعل رزقه أنه يكذب بالكرامات، والبركات، ويزعمه مستحيلاً، ثم هذه المسألة تسمى عند الصوفية بطي الزمان، أما طي المكان، فهو مسلَّم بلا نكير، ففي "الفتوحات" أن الجوهري أجنب مرة، فذهب إلى نهر ليغتسل، فنعس فيه، فإذا هو يرى في المنام أنه دخل بغداد، وتزوج فيها امرأة، وولدت منه أولاداً، فإذا هب من نومه، رجع إلى بيته، ولم يمض بعد ذلك مدة، إذ جاءته امرأة من بغداد، تدعي إنه نكحها، وهؤلاء صبيان منه، ومر عليه العارف الجامي في "النفخات"، وأغمض عنه، وأنكره الشيخ المجدد، قلت: لا استحالة فيه، فهو من باب طيّ الزمان عندي".

<<  <  ج: ص:  >  >>