أولا: إلى إثبات أنها قبور إذ قد يوضع شيء يشبه القبر ويقال هذا قبر فلان، كما حدث ذلك مع أنه ليس بقبر.
ثانياً: إذا ثبت أنها قبور فإنه يحتاج إلى إثبات أن هؤلاء المقبورين كانوا أولياء لله لأننا لا نعلم هل هم أولياء لله أم أولياء للشيطان.
ثالثاً: إذا ثبت أنهم من أولياء الله فإنهم لا يزارون من أجل التبرك بزيارتهم، أو دعائهم، أو الاستغاثة بهم، والاستعانة بهم، وإنما يزارون كما يزار غيرهم للعبرة والدعاء لهم فقط، على أنه إن كان في زيارتهم فتنة أو خوف فتنة بالغلو فيهم، فإنه لا تجوز زيارتهم دفعاً للمحظور ودرءاً للمفسدة.
فأنت أيها الإنسان حكم عقلك، فهذه الأمور الثلاثة التي سبق ذكرها لابد أن تتحقق وهي:
أ- ثبوت القبر.
ب- ثبوت أنه ولي.
ج- الزيارة لأجل الدعاء لهم. فهم في حاجة إلى الدعاء مهما كانوا، فهم لا ينفعون ولا يضرون، ثم إننا قلنا إن زيارتهم من أجل الدعاء لهم جائزة ما لم تستلزم محظوراً.
أما من زارهم ونذر لهم وذبح لهم أو استغاث بهم، فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، يكون صاحبه به كافراً مخلداً في النار".
كما سئل فضيلته عن حكم دعاء أصحاب القبور، فأجاب بقوله: "الدعاء ينقسم إلى قسمين.
القسم الأول: دعاء عبادة، ومثاله الصلاة، والصوم وغير ذلك من العبادات، فإذا صلى الإنسان، أو صام فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له، وأن يجيره من عذابه، وأن يعطيه من نواله، ويدل لهذا قوله - تعالى -: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:٦٠]. فجعل الدعاء عبادة، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر كفراً مخرجاً عن الملة، فلو ركع الإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود لكان مشركاً خارجاً عن الإسلام، ولهذا منع النبي، صلى الله عليه وسلم، من الانحناء عند الملاقاة سدّاً لذريعة الشرك، فسئل عن الرجل يلقى أخاه أينحني له؟ قال: "لا". وما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك خطأ ويجب عليك أن تبين له ذلك وتنهاه عنه.
القسم الثاني: دعاء المسألة، وهذا ليس كله شركاً بل فيه تفصيل: أولاً: إن كان المدعو حيّاً قادراً على ذلك فليس بشرك، كقولك اسقني ماء لمن يستطيع ذلك، قال، صلى الله عليه وسلم: ((من دعاكم فأجيبوه)) (١). قال الله - تعالى -: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ [النساء:٨] فإن مد الفقير يده وقال ارزقني أي: أعطني فهو جائز كما قال - تعالى -: فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ [النساء:٨].
ثانيا: إن كان المدعو ميتاً فإن دعاءه شرك مخرج عن الملة.
ومع الأسف أن في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلاناً المقبور الذي بقي جثة أو أكلته الأرض ينفع أو يضر، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد له، وهذا - والعياذ بالله - شرك أكبر مخرج عن الملة، وإقرار هذا أشد من إقرار شرب الخمر، والزنا، واللواط؛ لأنه إقرار على كفر، وليس إقراراً على فسوق فقط، فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين".
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما يلي:
(١) رواه أبو داود (١٦٧٢) وأحمد (٢/ ٦٨) (٥٣٦٥). والحاكم (١/ ٥٧٢) (١٥٠٢) والحديث سكت عنه أبو داود, وقد قال في ((رسالته لأهل مكة)) كل ما سكت عنه فهو صالح. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وقال النووي في ((الأذكار)) (٤٥٨): صحيح. وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (٥/ ٢٥٠): صحيح.