النوع الأول: الشرك الأكبر وهو: "كل شرك أطلقه الشارع وهو يتضمن خروج الإنسان عن دينه" مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لله - عز وجل - لغير الله، كأن يصلي لغير الله، أو يصوم لغير الله، أو يذبح لغير الله، وكذلك من الشرك الأكبر أن يدعو غير الله - عز وجلّ - مثل أن يدعو صاحب قبر، أو يدعو غائباً ليغيثه من أمر لا يقدر عليه إلا الله - عز وجل- وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم".
ومن إجابته- حفظه الله- عن حكم البناء على القبور:
"البناء على القبور محرَّم وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من تعظيم أهل القبور وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلهة مع الله كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بنيت على القبور فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله - تعالى- ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر وردّة عن الإسلام. والله المستعان".
وقال فضيلته فيمن يزور القبور ويدعو الأموات ويستغيث بهم ويستعين بهم:
" ... أما من زارهم ونذر لهم وذبح لهم أو استغاث بهم، فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة يكون صاحبه به كافراً مخلداً في النار".
كما سئل فضيلته عما يقوله الناس عند الشدة: "يا محمد، أو يا علي، أو يا جيلاني" فأجاب بقوله:
"إذا كان يريد دعاء هؤلاء والاستغاثة بهم فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، فعليه أن يتوب إلى الله - عز وجل- وأن يدعو الله وحده، كما قال - تعالى-: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ [النمل:٦٢]، وهو مع كونه مشركاً سفيه مضيع لنفسه، قال الله - تعالى-: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة:١٣٠] وقال وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف:٥].
وسئل أيضاً عن رجل محافظ على الصلاة والصيام، وظاهر حاله الاستقامة، إلا أن له حلقات يدعو فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وعبد القادر، فما حكم عمله هذا؟ فأجاب بقوله:
"ما ذكره السائل يحزن القلب، فإن هذا الرجل الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة، والصيام، وأن ظاهر حاله الاستقامة قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم، فدعاؤه غير الله - عز وجل- شرك أكبر مخرج عن الملة، سواء دعا الرسول، عليه الصلاة والسلام، أو دعا غيره، وغيره أقل منه شأناً وأقل منه وجاهة عند الله - عز وجل- فإذا كان دعاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شركاً فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر أو غير عبد القادر، والرسول عليه الصلاة والسلام، نفسه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضرًّا قال الله تعالى آمراً له: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا [الجن:٢١]. وقال آمراً له: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:٥٠]، وقال تعالى آمراً له: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:١٨٨]. بل قال الله تعالى آمراً له: قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:٢٢]. فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لا يجيره أحد من الله فكيف بغيره؟! فدعاء غير الله شرك مخرج عن الملة، والشرك لا يغفره الله عز وجل إلا بتوبة من العبد لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء:٤٨] وصاحبه في النار لقوله تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:٧٢].
ونصيحتي لهذا الرجل أن يتوب إلى الله من هذا الأمر المحبط للعمل فإن الشرك يحبط العمل قال الله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:٦٥]. فليتُب إلى الله من هذا، وليتعبد لله بما شرع من الأذكار والعبادات، ولا يتجاوز ذلك إلى هذه الأمور الشركية وليتفكر دائماً في قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:٦٠]
المصدر:الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن – ص ١٢٣ - ١٣٠