كان مولد سنان بالبصرة سنة ٥٢٨هـ، وقد درس مختلف العلوم الفلسفية والعقدية المنتشرة في عصره، حتى صار أحد دعاة الإسماعيلية النزارية، التابعة لدولة ألموت الجديدة.
وبعد ثلاثين سنة قضاها سنان شيخ الجبل في قيادة حركة الحشاشين بالشام وافته المنية سنة ٥٨٨هـ، بعد أن أعاد بناء الحركة بمهارة عالية تذكرنا بالحسن بن الصباح المؤسس الأول للحركة.
وبموت سنان شيخ الجبل دخلت الحركة مرحلة الضعف، وهذا بالرغم من أن خلفاءه ظلوا أوفياء لخطه، يمارسون نفس السياسة، ويجعلون من الاغتيال الوسيلة الوحيدة لإثبات الوجود ومقاومة الخصوم، وتمكنوا تحت التهديد والوعيد من الحصول على الجزية خاصة من الأمراء الصليبيين.
وعندما دخل التتار الشام عملوا على القضاء على الحشاشين، إذ شنوا هجوماً واسع النطاق على مختلف قلاعهم، وتمكنوا على إثر ذلك من السيطرة على بعض القلاع الهامة في المنطقة، ولكن سرعان ما ردّت الحركة بقوة واسترجعت بعض ما ضاع منها من قلاع.
وفي هذه الفترة كان السلطان المملوكي الظاهر بيبرس يقود حرباً ضد الصليبيين والمغول الوثنيين، وكان هدفه تحرير الشرق الإسلامي من هذا التهديد المزدوج، كما أنه لا يمكن أن يُتوقع منه التسامح إزاء استمراء وجود جيب مستقل خطر من الملحدين والقتلة في قلب سوريا، وشدد قبضته على الحشاشين فأقروا له بالخضوع والطاعة وأمر بيبرس بجمع الضرائب والرسوم التي تُدفع إلى الحشاشين، ولم يكن باستطاعة الحشاشين الذين أضعفوا في سوريا وأثبطت همتهم نتيجة مصير إخوانهم الفارسيين أن يبدوا مقاومة، فقبلوا جميع إجراءات بيبرس، حتى أصبح –أي بيبرس-، بدلاً من سيد ألموت هو الذي يعين رؤساء الحشاشين ويخلعهم كما يريد، كما أصبح رجال الحركة وأتباعها تحت تصرفه المباشر.
ومنذ ذلك الوقت صار الحشاشون مجرد مجموعات صغيرة تمركزت في مناطق معينة، ولم يعد لها أية أهمية سياسية أو تأثيراً على مجرى الحوادث، ولم يعودوا يظهرون في صفحات التاريخ حتى أوائل القرن التاسع عشر عندما عُرف أنهم في نزاع دائم بينهم، ويبلغ عددهم في الوقت الحاضر بضعة آلاف شخص، يدين البعض منهم بالولاء لآغاخان كإمام لهم.
وهكذا توقفت الإسماعيلية مرة أخرى إلى الأبد عن أن تكون بديلاً جاداً للفكر السني الذي يسيطر على الحياة الفكرية في مختلف البلاد الإسلامية، وإنها لصفحة من أغرب صفحات الثورة على الإسلام، بل وعلى العقل والمنطق، وأشدها غلواً وإغراقاً.