للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد مقتل بهرام قام مقامه في قلعة بانياس رجل من الباطنية اسمه إسماعيل العجمي، وأقام الوزير المزدقاني عوض بهرام بدمشق رجلا من الباطنية اسمه أبو الوفا، فعظم أمر أبي الوفا هذا بسبب مساندة الوزير المزدقاني له، حتى أصبح حكمه في دمشق أكثر من حكم صاحبها تاج الملك بوري. لم يقنع أبو الوفا بهذا، بل حدثته نفسه بالخيانة والاستعانة بالصليبيين على أهل دمشق المسلمين، وتسليم دمشق إليهم، فكاتب أبو الوفا زعيم الباطنية في الشام الفرنج على أن يسلم إليهم دمشق، ويسلموا إليه عوضها مدينة صور، واتفقوا على ذلك، وتقرر بينهم الميعاد على أن يكون قدوم الصليبيين إلى دمشق في يوم جمعة وقت الصلاة، على أن يجعل أبو الوفا أصحابه على أبواب جامع دمشق، فلا يمكنوا أحداً من الخروج منه حتى يجيء الفرنج ويتسلموا دمشق ... علم تام الدين بوري صاحب دمشق بهذه المؤامرة، فبادر بالتخلص من أصحابها، ومن كل من ساهم فيها، وبدأ بوزيره أبي علي طاهر بن سعيد المزدقاني، فاستدعاه إليه فحضر، وخلا معه فقتله تاج الملك لتواطئه مع الباطنية، وعلق رأسه على باب القلعة، ثم نادى تاج الملك في البلد بقتل الباطنية، فثار بهم أهل دمشق فقتلوا منهم ستة آلاف نفر، وكفى الله المسلمين شرهم (١).أما الصليبيون فلقد وصلوا على الميعاد المقرر بينهم وبين الباطنية وحاصروا دمشق استعداداً لأخذها، لكنهم علموا أن تاج الملك قد بطش بحلفائهم وقضى عليهم فتأسفوا على ذلك أشد الأسف وغضبوا على عدم تمكنهم من أخذ دمشق، وأرسلوا إلى أعمال دمشق لجمع الميرة والإغارة على البلد فلما سمع تاج الملك بذلك أرسل أميراً من أمرائه يعرف بشمس الخواص في جمع المسلمين إليهم، فلقوا الفرنج وقاتلوهم، فصبر بعضهم لبعض، فظفر المسلمون بهم وقتلوهم، وأخذوا ما معهم من غنائم وهي عشرة آلاف دابة وثلاثمائة أسير، فلما علم المحاصرون لدمشق بهذا ألقي في قلوبهم الرعب، فرحلوا عن دمشق شبه المنهزمين وكان البرد والشتاء شديداً فخرج تاج الملوك في أثرهم وأخذ يطاردهم حتى قتل كل من تخلف منهم (٢).أما صاحب بانياس الباطني إسماعيل العجمي فلما سمع هو وأصحابه بما وقع لأقرانهم في دمشق أسقط في أيديهم، فخاف إسماعيل على نفسه وعلى أصحابه من أنه يثور به الناس فيقتلونهم، فراسل الفرنج، وبذل لهم تسليم بانياس على أن ينتقل إلى بلادهم ليأمن بهم، فأجابوه إلى ذلك فسلمها إليهم، وخرج هو وأصحابه متسللين من بانياس إلى الأعمال الفرنجية على غاية من الذلة، ونهاية من القلة، فلقوا شدة وهوانا (٣).ظل الحشيشية الباطنية في بلاد الشام على صلة وثيقة بالصليبيين يتآمرون على المسلمين من أهل السنة، ولا يتركون فرصة تلوح للانتقام منهم إلا اهتبلوها، فوجهوا كل عملياتهم ومؤامراتهم ضد قادة الجبهة الإسلامية ضد الصليبيين والمؤسسات السنية في الشام –"فلم يقاتل الحشيشية (النزارية) الإثنى عشرية أو الشيعة الآخرين، ولم يديروا سكاكينهم ضد النصارى أو اليهود المحليين" (٤) –وهذا يثبت لنا بالدليل القاطع الصلات الوثيقة، وحقيقة التعاون بين الباطنية والصليبيين من جهة واليهود من جهة أخرى.


(١) أبو الفدا: ((المختصر في أخبار البشر)) (٣/ ٢ - ٣) ابن الأثير: ((الكامل)) (١٠/ ٦٥٦ - ٦٥٧).
(٢) أبو الفدا: ((المختصر في أخبار البشر)) (٣/ ٢ - ٣) ابن الأثير: ((الكامل)) (١٠/ ٦٥٦ - ٦٥٧).
(٣) ابن القلانسي: ((ذيل تاريخ دمشق)) (ص٣٥٥ - ٣٥٦)، ابن الأثير: ((الكامل)) (١٠/ ٦٥٧).
(٤) برنارند لويس: ((الحشيشية)) (ص١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>