للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر شيخ الإسلام في معرض رده على الرازي لما اعترض بأنه يلزم من إثبات العلو والاستواء لله إثبات الحد والنهاية وأن هذا تجسيم – ذكر أن الكلام في هذه الحجة في مقامين: المقام الأول: "قول من يقول: هو فوق العرش وليس له حد ولا مقدار ولا هو جسم، كما يقول ذلك كثير من الصفاتية، من الكلابية، وأئمة الأشعرية وقدمائهم، ومن وافقهم من الفقهاء والطوائف الأربعة غيرهم، وأهل الحديث، والصوفية، وغير هؤلاء. وهم أمم لا يحصيهم إلا الله، ومن هؤلاء أبو حاتم ابن حبان، وأبو سفيان الخطابي، البستاني ... " (١) والقاضي أبو يعلى كان ينكر الحد ثم رجع إلى الإقرار به (٢). وممن نفي الحد أبو نصر السجزي (٣).فهؤلاء الذين ينفون الحد والمقدار والجسم ونحو ذلك من الصفاتية الذين يثبتون الاستواء على العرش يقولون إذا كان هو نفسه فوق العرش لا يلزم أن يوصف بالحد أو تناهي المقدار (٤).والمقام الثاني: "كلام من لا ينفي هذه الأمور التي يحتج بها عليه نفاة العلو على العرش ... بل قد يثبتها أو يثبت بعضها لفظا أو معنى، أو لا يتعرض لها بنفي ولا إثبات، وهذا المقام هو الذي يتكلم فيه سلف الأمة وأئمتها، وجماهير أهل الحديث، وطوائف من أهل الكلام والصوفية وغيرهم. وكلام هؤلاء أسد في العقل والدين، حيث ائتموا بما في الكتاب والسنة، وأقروا بفطرة الله التي فطر عليها عباده، فلم يغيروا، وجعلوا كتب الله التي بعث بها رسله هي الأصل في الكلام، وأما الكلام في المجمل والمتشابه الذي يتكلم فيه النفاة، ففصلوا مجمله، ولم يوافقوهم على لفظ مجمل قد يتضمن نفي معنى حق، ولا وافقوهم أيضا على نفي المعاني التي دل عليها القرآن والعقل، وإن شنع النفاة على من يثبت ذلك، أو زعموا أن ذلك يقدح في أدلتهم وأصولهم" (٥).وقد أثبت الحد الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة كما ذكر ذلك الدارمي في نقضه على المريسي، والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات، والخلال في كتاب السنة، والهروي في ذم الكلام. وغيرهم (٦).وهم لما أثبتوا "الحد" قالوا: له حد لا يعلمه إلا هو، كما بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، وهذا الذي قصده الإمام أحمد لما قال: "نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء، وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد ... " (٧). وإلا فهو قد قال في رواية أخرى عنه: لله تعالى حد لا يعلمه إلا هو (٨). فما نفاه الإمام أحمد قصد به الصفة التي يعلمها الخلق، وما أثبته قصد به ما يتميز به عن عباده، ويبين به عنهم، وهذا هو الذي قصده بقوله: له حد لا يعلمه إلا الله وهو الذي قصده من أطلق هذا من السلف. وقد أخطأ من ظن من الحنابلة أو غيرهم أن للإمام أحمد في ذلك روايتين، بل كلامه متسق غير متناقض وكل رواية موافقة للأخرى (٩).


(١) ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ١٦٩).
(٢) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ١٧١ وما بعدها) وقارن بـ ((إبطال التأويلات)) للقاضي أبي يعلى – مخطوط – (ص: ٣١٥ وما بعدها).
(٣) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (١/ ٤٤٦)، وكلام السجزي في كتابه ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) – (ص: ١٥٧ - ١٥٨٩ – ط على الآلة الكاتبة.
(٤) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ١٧٤ - ١٧٥).
(٥) ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ١٨٠).
(٦) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (١/ ٤٢٦ - ٤٤٠)، حيث نقل نصوص كلامهم، وقارن بـ ((النقض على المريسي)) للدارمي (ص: ٣٨١ وما بعدها) – ضمن ((عقائد السلف))، و ((إبطال التأويلات)) (٣١٦ - ٣١٧).
(٧) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ١٦٣).
(٨) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (١/ ٤٣٠) وما بعدها.
(٩) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (١/ ٤٣٣ - ٤٣٨، ٢/ ١٦٣ - ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>