للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجميع الصفات الإلهية التي وصف الله بها نفسه في القرآن الكريم لا تعترف بها كافة الفرق الباطنية, فهم ينفون نفيا مطلقا هذه الصفات, إيجابية كانت أم سلبية, لأنه تعالى - على حسب زعمهم - فوق متناول العقل, والعقل عاجز عن إدراك كنهه, فإثبات هذه الصفات - حسب زعمهم- يعني عدم التوحيد, ولذلك فهم يزعمون أن هذه الصفات تليق فقط بحدوده وخاصة العقل والنفس, باعتبارهما من فيضه ومبدعاته.

وثمة وجه آخر من أوجه الشبه بين هذه الفرق, وهي عقيدة التناسخ ورغم أن الإسماعيلية لا تجاهر أو تصارح بالقول بها, إلا أن المتتبع لآراء الإسماعيلية يجزم أنها تؤمن بها شأنها شأن الفرق الأخرى, ولكن هناك بعض الاختلافات بين هذه الفرق.

فالإسماعيلية والنصيرية تؤمنان بوجود عالم روحاني تسكنه الملائكة, وعالم سفلي هو عالم الكون والفساد. وهم إضافة إلى ذلك يعتقدون بأن الأجساد مصدر الشقاء والآلام, وأن المؤمن حين موته تذهب نفسه إلى العالم العلوي, وأما الكافر فيتقلب في الأجساد البشرية وغير البشرية عقابا له على ما قدم وعلى هذا فالإسماعيلية والنصيرية تؤمنان بالمسخ, أي أن تأتي نفس الكافر عقابا لها - على حسب زعمهم - بقمصان رديئة كالحيوانات, أو أن تأتي بصورة جامدة من معدن أو حجر فتذوق بذلك عذاب جهنم؟!

وهذا الاعتقاد بالنسخ والمسخ, يخالف اعتقاد الدروز, الذين ينحصر التناسخ عندهم في الصور البشرية فقط ولا يكون في البهائم أو الجمادات, ولذلك فقد عبروا عن التناسخ بكلمة التقمص لأن في انتقال النفس إلى جسم حيوان ظلم لها, فالثواب والعقاب بني - حسب زعمهم - على قاعدة العدل الإلهي في محاسبة الأرواح بعد مرورها في القمصان البشرية.

وهناك عقيدة أخرى لا يختلفون فيها أبدا وهي عقيدة التقية, فالتستر والكتمان عند جميع هذه الفرق فرض لا يجوز التهاون فيه, لأن البوح بأسرار اعتقاداتها إلى غير أهلها تدنيس لها, لذا فقد طالبت الإسماعيلية والدرزية والنصيرية أتباعها بالاستتار وعدم التظاهر بما يبطنون, وهكذا فقد أصبحت هذه العقيدة عادة مستحكمة عند جميع أتباع هذه الفرق, لأنها تعني التظاهر بشيء والإيمان بشيء آخر, وبالتالي فقد جعلت هذه العقيدة من أتباعها بؤرة للنفاق والخداع يتصفوا به جميعهم, وهذا واضح في تاريخهم.

ويمكن أن يضاف إلى عقيدة التقية أمرا آخر مرتبط بها, وهو أن جميع هذه الحركات تطلب من المستجيبين لها عهودا وأيمانا غليظة يجب أن يؤديها حتى يوثق به ومع ذلك فإنهم لا يسلموه كل الأسرار دفعة واحدة, بل على التدرج وكما هو واضح عند الدروز والنصيرية.

وهناك أيضا عقائد متشابهة بين الدروز والنصيرية أهمها:"قضية العاقل والجاهل, فالعقال يسترون دينهم عن الجهال منهم, وإذا أراد أحد الجهال أن يدخل في أمور دينهم, فلا يسلمون الديانة له إلا بالتدريج بعد أن يتتلمذ على أحد مشايخ دينهم ويتخذه والدا دينيا, ويتفقون معهم أيضا بقدمية العالم, وأن العالم قد خلق على ما هو عليه الآن, وأن عدد البشر كان كما هو الآن لا يزيد ولا ينقص" (١).

وهم يتفقون كذلك بالإضافة إلى الإسماعيلية في تأويل آيات القرآن حسب معتقداتهم, وأن له ظاهرا وباطنا حتى يثبتوا صحة معتقداتهم المناقضة للقرآن الكريم.

ونستنتج مما سبق, أن نقطة الخلاف والالتقاء الرئيسية بين الإسماعيلية والدروز والنصيرية هي عقيدة الألوهية, فجميعهم يقرون بإمكانية تجسد الألوهية في صورة إنسان, ولكن الإسماعيلية تراها في الأئمة الإسماعيليين جميعا, بينما الدروز والنصيرية جعلتا لتجسد الألوهية ظهورا أخيرا, فكان عند الدروز بشخص الحاكم, وعند النصيرية بشخص علي بن أبي طالب - تعالى الله عن ذلك - أما بقية العقائد فقد يلتقون في شيء منها ويختلفون في شيء آخر, ولكنهم متفقون في جوهرها.

المصدر:الحركات الباطنية في العالم الإسلامي لمحمد أحمد الخطيب - ص ٤٣١


(١) ((مخطوط في تقسيم جبل لبنان)) – الجامعة الأمريكية ببيروت (رقم ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>