للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبسبب شدة الثورة التي قام بها أهل مصر، على دعاة حمزة وأتباعه، اختفى حمزة أيضًا سنة ٤٠٩ هـ، واعتبرها سنة اختفاء وغيبة. ويصف حمزة سنة ٤٠٩ هـ: (بأنها سنة المحنة والامتحان والعذاب، وأن القصد من الغيبة أن يمتحن الخلق بغيبته، والمحنة هي غيابه الذي عاقبهم فيه) (١). (ويبدو أن غيبته في هذه السنة، كانت استعدادًا للظهور بقوة جديدة للتنظيم بعد ثورة الناس عليه في العام الفائت) (٢).ويتبين من رسائل حمزة، أنه في خلال هذه الفترة جعل مقره السري خارج القاهرة في مسجد (تبر)، ولكن خصومه هاجموا مقره وأحرقوا باب المسجد، ثم وجدوا داخل المسجد بابا من الحجر لا تعمل فيه النار ويصعب نقب جداره) (٣).مما تقدم يتضح بداية الخلاف بين حمزة والدرزي، والظاهر أن هذا الخلاف قد تفاقم بعد هروب الدرزي إلى الشام، حيث دعا هناك إلى أراء جديدة خالف بها آراء حمزة، من ذلك تسمية نفسه بـ (سيف الإِيمان) و (سيد الهادين)، وكان أيضًا يلعن مخالفي المذهب، بينما يقول حمزة: (اللعنة لا تزيد في الدين ولا تنقص منه) (٤)، وكذلك (دعوته للحرية الجنسية) (٥).وأرى أن هذا الاختلافات، لم تكن بتلك الأهمية لتأجج الخلاف بين الرجلين، وأن جوهر الخلاف – كما يفهم من كتابات حمزة – إنما كان (بسبب رئاسة الدعوة الجديدة، وهذا الأمر أغضب حمزة، وجعله يعزل الدرزي من مصبه في الشام، ويؤلب عليه أتباعه في الشام فقتلوه سنة ٤١١ هـ) (٦).وهذا الخلاف يؤكده حمزة في (رسالة الغاية والنصيحة) إذ يقول: (وكذلك الدرزي سمى نفسه في الأول بسيف الإِيمان، فلما أنكرت عليه ذلك وبينت له أن هذا الاسم محال وكذب، لأن الإِيمان لا يحتاج إلى سيف يعينه، بل المؤمنون محتاجون إلى قوة السيف وإعزازه، فلم يرجع عن ذلك الاسم وزاد عصيانه، وأظهر فعل الضدية في شأنه، وتسمى باسم الشرك وقال: أنا سيد الهادين، يعني أنا خير من إمامي الهادي) (٧).هذا وكانت مدة ظهور حمزة ثلاث سنوات هي: ٤٠٨، ٤١٠، ٤١١، وأما سنة ٤٠٩ هـ فإنها – كانت سنة غيبة له. كذلك فقد اختفى بعد سنة ٤١١ هـ، - وهي السنة التي قتل فيها الحاكم -، حيث مرت سنوات من الكتمان، أيضًا لم يظهر فيها، فقد طورد من قبل الظاهر ابن الحاكم والملك الجديد، (مما اضطره إلى الرحيل إلى بلاد الشام) (٨).وبقي حمزة مختفيًا حتى أزيح الستار قليلاً عن نشاطه، برسائل أرسلت إلى سواه وذُكر فيها، أو وجهت إليه، بعد قرابة عشرين سنة من غيابه، منها رسالة المواجهة، التي يتبين منها، أن حمزة كان لا يزال على اتصال سري بدعاته، وعلى الخصوص بـ (المقتني) بهاء الدين كاتب الرسالة، والذي يبدأها بـ (السلام على الإِمام) موجهًا إليه (عبيده الزائرين ... رسل العبد الذليل) (٩).أما غيبة حمزة الثانية والأخيرة، (فإن رسالة بهاء الدين في (رسالة السفر) والتي يطلب فيها من المؤمنين، الإِيمان برجوع حمزة، وإلى طاعة ولي الحق الإِمام المنتظر، توضح هذه الرسالة – والتي كتبت في السنة الثانية والعشرين من سني حمزة أي سنة ٤٣٠ هـ - أن حمزة قد اختفى أو مات سنة ٤٣٠ هـ) (١٠).


(١) عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد)). (ص: ١١٥).
(٢) عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد)) (ص: ١٢٤)
(٣) مصطفى غالب: ((الحركات الباطنية في الإسلام))، (ص: ٢٤٩).
(٤) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص: ٧٧).
(٥) سعيد الصغير: ((بنو معروف الدروز))، (ص: ٢٣٦).
(٦) سعيد الصغير: ((بنو معروف الدروز))، (ص: ٢٣٦) (بتصرف).
(٧) ((رسالة الغاية والنصيحة)).
(٨) خير الدين الزركلي: ((الأعلام)). (٢/ ٣١٠).
(٩) عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد))، (ص ١٢٥).
(١٠) عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد)) (ص ١٢٠ – ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>