للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي شرح الميثاق، يعتبر – كاتبه – التستر والكتمان من صحة العقيدة، ويقول: (حتى ولو أخر الإِنسان بعض رسائل الحكمة بلا حفظ، ويحفظ عوض ما يقيم المساترة، كان ذلك واجب، لأن الإِنسان إذا غرس بستان ولم يصنه بشيء لم يسلم أبدًا، وإذا غرسه ونقص بعض غراسه، وجعل عوض ذلك النقص حاجزًا يصونه كان ذلك أرب لسلامته وأنتج فيه. وكذلك مذهب التوحيد ما يصح لأحد كاملة إلا بالاستتار، والاستتار بالمألوف هو: إن كان المحق ساكنًا بين أهل الظاهر التنزيلية (١) فليتساتر بمذهبهم من صلاة وصيام وحج وتقديم أبي بكر وعمر وعثمان على علي بن أبي طالب وغيره.

وإن كان ساكنًا بين التأويلية في بلاد غالب عليه الشيعة، فليتساتر في مذهب التأويل، ويتزايا بزيهم ويقدم علي بن أبي طالب على الصحابة كلهم، ويسب أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة، ويكون موافقهم في دينهم في ظاهر الأمر. وإن كان بين النصارى فيتزايا بزيهم وهذا الحال رحمة من الله على أهل التوحيد، أن يكون توحيده في قلوبهم، ويتزايوا بزي كل طائفة (٢) في ظاهرهم (٣).ويورد الدكتور عبد الرحمن بدوي شرحا آخر للميثاق (٤)، ومما جاء فيه عن هذا الموضوع ما يلي: لا يحل لأحد يتمسك بدين التوحيد أن يهمل المساترة، بل يجب عليه أن يعرف موجبات الصلاة والوضوء ونواقضه، ويقرأ ما تيسر من القرآن قراءة صحيحة على شيخ، وإن كان ذا يسر فيزكي من ماله، ويعرف أمر الصيام ومفطراته، بحيث لا ينكشف عند الشرائع أمر دين التوحيد) (٥).

وإنكار ألوهية الحاكم – في ظاهر الأمر – يعتبر أيضًا من المساترة، وهذا ما تضمنه شرح الميثاق كذلك حيث يقول: (إن أنكر ألوهية الحاكم سبحانه بحضرة الضد فيجوز له ذلك، وليس يقع في ذلك ارتداد في الحقيقة، لأن المقر بألوهية الحاكم تعالى، الكاتب على نفسه الميثاق أمر بالمساترة عند الشرائع، وإنكار ألوهية الحاكم سبحانه باللسان، وهذا مشروع في الدين من غيبة الحاكم سبحانه إلى يوم القيامة. ولا جناح على الموحدين في إنكار الحاكم بحضرة الشرائع، إذ سئل وطلب منه مثل ذلك، وأما من تلقاء نفسه، أعني نفوس الموحدين بلا طلب ولا سبب فلا يجوز اللفظ بالإنكار ألبتة، كما لا يجوز اعتقاد بشريته) (٦).وكذلك سب ولعن (حمزة) ظاهرًا لا بأس به، يقول بهاء الدين في منشور الغيبة: (فمن وقعت به منكم محنة، وطلب منكم سب هذا العبد (حمزة) فتبرءوا منه وسبوه، وإن طلب منكم لعنه فالعنوه، هذا عند الإضرار، والله يعلم بما تظهرون وتكتموه) (٧).

ويتحدث تقرير قدمته الاستخبارات الفرنسية أثناء الاستعمار الفرنسي على سوريا ولبنان عن طبيعة الدروز فيقول: (إن الدروز مرنون بحق، فهم يتبعون حرفيًا نصيحة مؤسس دينهم: اتبعوا كل أمة أقوى من أمتكم، وحافظوا علي داخل قلوبكم. لذلك فعندما يحتكون بطوائف أقوى من طائفتهم كالمسلمين أو المسيحيين فإنهم يتظاهرون بالتسليم ببعض معتقداتهم وهكذا، فمثلاً يرددون بكل طيبة خاطر الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله).


(١) يقصد المسلمين.
(٢) يلاحظ هنا مطاطية هذا التعبير، والذي يمكن أن يؤخذ على تأويلات كثيرة.
(٣) شرح الميثاق: محمد حسين، مخطوط في جامعة شيكاغو رقم ٣٧٣٧ – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية رقم ٢٩.
(٤) نقلا عن مخطوط في المكتبة الأهلية بباريس (رقم ١٤٣٦) عربي.
(٥) د. عبد الرحمن بدوي: ((مذاهب الإسلاميين))، (ص ٦٨٨).
(٦) ((شرح الميثاق)): محمد حسين.
(٧) منشور الغيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>