للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما زال الشيطان بآدم عليه السلام حتى أخرجه من الجنة وما زال ببني آدم حتى أوقع بينهم الفرقة والعداوة بصدهم عن الإيمان بالله تعالى وإيقاع الكفر والشرك الذي فرقهم قال تعالى: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [يونس: ١٩].قال ترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً: كانوا على الإسلام كلهم (١).ويذكر الإمام عبدالرحمن بن الجوزي رحمه الله كيد الشيطان لآدم عليه السلام ثم كيده لأحد ولدي آدم بقتل أخيه ثم يذكر أن الأمر جرى بعد ذلك على السداد والاستقامة وكانت الأمة واحدة والدين واحد والمعبود واحد كما قال قتادة رحمه الله: " كان بين آدم ونوح ـ عليهما السلام ـ عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق ثم اختلفوا فكادهم العدو إبليس وتلاعب بهم حتى انقسموا قسمين: كفارا ومؤمنين (٢) فكادهم بعبادة الأصنام وإنكار البعث (٣) وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بما لم أنزل به سلطانا .. )) (٤)

فالشيطان حريص على تفريق الناس وتحزيبهم بصدهم عن توحيد الله عز وجل الذي يجمعهم وإلقاء الشرك ونشره بينهم فهو كفيل بتفريقهم.

يقول ابن الجوزي رحمه الله: اعلم أن الأنبياء جاءوا بالبيان الكافي وقابلوا الأمراض بالدواء الشافي وتوافقوا على منهاج لم يختلف فأقبل الشيطان يخلط بالبيان شبها وبالدواء سما وما زال يلعب بالعقول إلى أن فرق الجاهلية في مذاهب سخيفة وبدع قبيحة فأصبحوا يعبدون الأصنام في البيت الحرام ... فابتعث الله سبحانه وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فرفع القابح وشرع المصالح فسار أصحابه معه وبعده في ضوء نوره سالمين من العدو وغروره فلما انسلخ نهار وجودهم أقبلت أغباش الظلمات فعادت الأهواء تنشئ بدعا وتضيف سبيلا ما زال متسعا ففرق الأكثرون دينهم وكانوا شيعا ونهض إبليس يلبس ويزخرف ويفرق ويؤلف وإنما يصح له التلصص في ليل الجهل فلو قد طلع عليه صبح العلم افتضح (٥).يقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحدا أحب إلى الشيطان هلاكا مني فقيل: وكيف؟ فقال: والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه كما أخرجها (٦)


(١) رواه أبو يعلى (٤/ ٤٧٣)، والطبراني (١١/ ٣٠٩). قال البوصيري في ((إتحاف الخيرة)) بعد أن رواه عن أبي يعلى (٦/ ٥٨): هذا إسناد رواته ثقات. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٦/ ٣٢١): رواه أبو يعلى والطبراني باختصار ورجال أبى يعلى رجال الصحيح. وقال ابن القيم في ((إغاثة اللهفان)) (٢/ ٢٩٢): صحيح. وقال السيوطي في ((الدر المنثور)) (١/ ٥٨٢)، والشوكاني في ((فتح القدير)) (١/ ٣١٧): سنده صحيح.
(٢) انظر ((كيد الشيطان قبل خلق آدم عليه السلام)) لابن الجوزي (٤٧ - ٤٩) باختصار والتصرف.
(٣) انظر ((إغاثة اللهفان)) لابن قيم الجوزية (٢/ ٢١٨).
(٤) رواه مسلم (٢٨٦٥). من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه.
(٥) انظر ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (١٠/ ١١) باختصار يسير.
(٦) رواه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (١/ ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>