للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن القبلة ما يستقبله الإنسان بوجهه، أما ما يرفع الإنسان إليه يده أو رأسه أو بصره، فهذا باتفاق الناس لا يسمى قبلة، ومعلوم أن مستقبل القبلة يستدبر ما يقابلها، أما الداعي فإنه لا يكون مستقبلا للسماء مستدبرا للأرض، بل يكون مستقبلا لبعض الجهات. إلى غيرها من الأوجه (١).ووضع الجبهة على الأرض يفعله الناس لكل من يعظمونه، ولهذا يسجد المشركون لأصنامهم. وهذا بين (٢).

فتبين من هذه الأوجه وغيرها سلامة احتجاج السلف على العلو بما فطر الناس عليه من رفع أيديهم إلى السماء عند الدعاء والحاجة.

٦ - أما اعتراضهم بأن العالم كرة، وأن الله إذا كان في جهة فوق لكان أسفل بالنسبة لسكان الوجه الآخر. فشيخ الإسلام لا ينازع في استدارة الفلك – كما قد ينازع فيه بعض الجهال (٣) وقد أجاب عن هذا الاعتراض بعدة أوجه:

منها: أن القائلين بأن العالم كرة يقولون أن السماء عالية على الأرض من جميع الجهات، والأرض تحتها من جميع الجهات.

والجهات قسمان:

حقيقية: ولها جهتان العلو السفل فقط، فالأفلاك وما فوقها هو العالي مطلقا، وما في جوفها هو السافل مطلقا.

وإضافية: وهي الجهات الست بالنسبة للحيوان، فما حاذى رأسه كان فوقه وما حاذى رجليه فهو تحته، وما حاذى جهته اليمنى كان عن يمينه. وهكذا. ويتضح الفرق بينهما فيما لو علق رجل، فجعلت رجلاه إلى أعلى، ورأسه إلى أسفل، فبالنسبة للجهة الحقيقية لم يتغير عليه شيء إذ لا تزال السماء فوقه والأرض تحته، أما بالنسبة للإضافة فإن الأرض فوق رأسه (٤)."وإذا كان كذلك فالملائكة الذين في الأفلاك من جميع الجوانب، هم باعتبار الحقيقة، كلهم فوق الأرض، وليس بعضهم تحت بعض، ولا هم تحت شيء من الأرض، أي الذين في ناحية الشمال ليسوا تحت الذين في ناحية الجنوب وكذلك من كان في ناحية برج السرطان ليس تحت من كان في ناحية برج العقرب وإن كان بعض جوانب السماء تلي رؤوسنا تارة وأرجلنا أخرى، وإن كان فلك الشمس فوق القمر، وكذلك السحاب وطير الهواء، هو مع جميع الجوانب فوق الأرض وتحت السماء، ليس شيء منه تحت الأرض، ولا من هذا الجانب تحت من هذا الجانب ... (فـ) علم أنه لا يلزم من كون الخالق فوق السماوات، أن يكون تحت شيء من المخلوقات، وكأن من احتج بمثل هذه الحجة إنما احتج بالخيال الباطل الذي لا حقيقة له ... " (٥)."وإذا كانت المخلوقات التي في الأفلاك والهواء والأرض لا يلزم من علوها على ما تحتها أن تكون تحت ما في الجانب الآخر من العالم، فالعلي الأعلى – سبحانه – أولى أن لا يلزم من علوه على العالم أن يكون تحت شيء منه" (٦).


(١) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ٤٥٢ - ٤٦٤).
(٢) انظر: مناقشة ذلك من خمسة أوجه في ((الدرء)) (٧/ ٢١ - ٢٥).
(٣) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ٢١٥).
(٤) انظر: ((درء التعارض)) (٦/ ٣٢٧ - ٣٢٨).
(٥) ((درء التعارض)) (٦/ ٣٢٨ - ٣٢٩) بتصرف يسير.
(٦) ((درء التعارض)) (٦/ ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>