وبعد الانتهاء من هذه التحية الأدبية، يطلب الإِمام من أحد الشيوخ أن يعظ الناس، وهذا يتلو بعض أخبار الصالحين من الصوفيين ويطلب من آخر أن ينشد بعض الأناشيد الدينية، ويختم المجلس بنشيدة جماعية.
المرحلة الثانية: يقف الشيخ – الإِمام – فيقفون جميعًا رجالاً ونساء – قائلين بصوت واحد: يا سميع، احترامًا للأمير السيد عبد الله التنوخي ثم يجلسون، وفي هذه اللحظة ينصرف الجهال، كالقاتل والزاني والسكير وشارب التبغ ... وسواهم من المحرومين الذين لا يستحقون سماع الشرح.
على أن بعض هؤلاء الجهال يقف متأدبًا واضعًا كفيه تحت إبطيه ويكلم المشايخ بأدب وتواضع قائلاً: الله يمسيكم بالخير حضرات المشايخ، فيجيبون: الله يمسيك بألف خير، ثم يقول بذل وانكسار: نطلب الحلم وصفاء الخاطر من الله ومنكم، العبد يخطئ والسيد يعفو.
وهنا يتجه المشايخ إلى بعضهم قائلين. احلموا علينا وعليه يا مشايخ وفي هذه اللحظة يأتي دور الإِمام وله أن يفوه بإحدى كلمتين: إما أن يسمح عن ذاك المستشفع قائلاً: تفضل اقعد، وهذه معناها: السماح بحضور المرحلة الثانية فقط. وإما أن يقول: ما قدامنا وقدامكم إلا الخير، وهذه معناها الإِصرار على إبعاده وعدم السماح له بالجلوس وهنا يخرج المستشفع خجلاً كسير النفس.
وبعد خروجه تبدأ المرحلة الثانية فيقرأ الإِمام أو يكلف أحد الشيوخ بتلاوة شرح إحدى الرسائل المقررة، وبعد الانتهاء من القراءة يقفون جميعا قائلين: يا سميع.
وفي هذه الفترة يخرج الذين لا يجوز لهم حضور المرحلة الثالثة. وإذا طلب أحد هؤلاء السماح يبقى واقفًا متأدبًا مكررًا الكلمات السابقة، وليس له إلا أحد الجوابين السابقين، وقد يوكل أحد الشيوخ فيقف هذا موقف المذنب التائب، ويتكلم بالنيابة عن المستشفع وبنفس الجمل، وهنا إما أن يجاب أو يرفض.
المرحلة الثالثة: ثم يتوجه الإِمام للمشايخ قائلاً: تفضلوا احلموا، وهنا تبدأ قراءة الدور قراءة جماعية، وكلهم يحفظ الدور الواجب تلاوته، فيبدؤون بالميثاق، ثم بالرسائل المقررة لتلك الليلة، ويجعلون شعر النفس ختامًا، ويسجدون عند كلمة (هو الحاكم المولى بناسوته يرى .. ) ويرفعون أيديهم مبتهلين، ثم ينصرفون مرددين بعض الأدعية.
هذه الخلوات، تشبه بعضها بعضا، وإن اختلف بناؤها باختلاف القرى أو تخلفها، وفي مقدمتها من حيث التاريخ خلوات الزنبقية، قرب كفر نبرخ بلبنان، وإن فاقتها الآن خلوات البياضة (حاصبيا لبنان) وحلت محل الصدارة.
أما الشيوخ الذين يقومون بإدارة تلك الخلوات، فيتفاوتون ليس بالعلم أو الخدمة العامة، بل بشهادات السلوك والمثابرة على الخلوات والزهد الذي قد يصل لدرجة رهبان البراهمة؛ ذلك لأنهم يخالون العكوف على دراسة الرسائل كل شيء في العالم، ولذا ضاق أفقهم، وأصبحوا يستشهدون بما يتلهى به الأطفال كملحمة حسان التبعي.
أولئك الشيوخ طبقات:
١ – طالبو الدخول بالمشيخة (البراني) أي الذين يعدون أنفسهم ليصبحوا شيوخا.
٢ – شيوخ المجالس السرية (الجواني).
٣ – شيوخ العقل. أما الأزارقة – لابسوا الأزرق – فهم أضيق أفقا من سواهم) (١).
المصدر:عقيدة الدروز عرض ونقد لمحمد أحمد الخطيب- ص ٢٣٨
(١) ((أيها الدرزي عودة إلى عرينك))، (ص ٩٧ – ١٠٠).