أما زعمهم أنهم السابقون إلى تقرير وحدة الأديان والاجتماع على الدين الحق والأخوة الصادقة واحترام كل شخص للآخر في إطار الإيمان بالله تعالى وبرسله، فلا يجهل أحد من المسلمين أن هذه الفكرة ليست من بنات أفكار المازندراني ولا من وحيه، وإنما هذا مبدأ إسلامي قرره الله في القرآن الكريم والنبي العظيم، وليس للبهاء فيها إلا تلك العبارات التي أراد أن يحاكي بها ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، فإن الله تعالى قد أمر نبيه أن يخاطب أهل الكتاب بالرجوع إلى الحق والتعمق في استخراجه فقال لنبيه: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:٦٤].
وهذا الطلب قد جعله الله تعالى في إطار الاقتناع واللين فقال:
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:٢٦٥] بل وأكد عز وجل على البر والعدل تجاه المخالفين للدين الصحيح، ما داموا لم يواجهوا المسلمين بأذى فقال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:٨].
فهل جاء المازندراني بمثل هذا العدل والتسامح مع المخالفين إلى حين إقناعهم بالحق أم أَمَرَ فوراً أن يُقتل المخالف لمبادئه، وأن تحرق الكتب الأخرى غير كتبه، وألا ينظر الناس إلا في جماله وبهائه وكتبه، وألا يفكروا إلا فيه وفي رضاه لا غير؟
نعم، لم يأت في الحث على وحدة الأديان إلا بمثل تلك السخافات التي أراق من أجلها كثيراً من الدماء هدراً، وذم لأجلها كل الأنبياء والرسل وكل المصلحين لقصورهم في زعمه عن بيان حقيقته ودعوته المشؤومة، حيث كان أهم ما أرسلوا به إنما هو التبشير بظهور البهاء.
وبالرجوع إلى مناداة البهائية بوحدة الأديان نجد أن الإسلام قد حث وأبلغ في وجوب التمسك بالدين الحنيف المنزل من رب العالمين، بحيث لو طبقه البشر لسعدوا في الدنيا والآخرة.
فإن كل ما فيه خير ويدعو إلى خير، وليس فيه تناقض ولا عصبية بغيضة، ولا أفكار رديئة مثل ما هو الحال في البهائية التي تدعو الناس كلهم إلى ترك دينهم والتمسك بعقيدة البهاء، التي هي مملوءة بالأفكار القاصرة والآراء المتناقضة والعصبيات الشنيعة، لأنها ملفقة من شتى الأفكار من مسيحية ويهودية ومجوسية وإسلامية وصوفية إلحادية.
فكيف يتفق الناس على ديانة هذا أقل شأنها؟ بل كيف يتفقون على دين لم يوحد بين أصحاب المذهب نفسه! فإن العداوة الملتهبة بين البابيين والبهائيين، بل وبين الأخوين المازندراني وصبح الأزل لا ينساها أحد، وهنا يصح قول الناس: فاقد الشيء لا يعطيه.
وقد ظن حسين علي المازندراني حين أمر أتباعه أن يتفننوا في النفاق ومجاملات الآخرين فيصلوا مع المسلمين، ويدخلوا الكنيسة مع النصارى، ويدخلوا في محافل اليهود، وأن يتوددوا إلى الهندوس في معابدهم – ظن أن هذا النفاق البغيض هو البداية إلى تحقيق وحدة الأديان فكانت النتيجة عكس ما أراد.
فإن الناس حين كانوا يشاهدون عبد البهاء في كل مكان مع المسلمين ومع النصارى ومع اليهود ومع الهندوس ومع كل صاحب ملة عرفوا تماماً أن المقصود من وراء ذلك إنما هو الزعامة العالمية وهدم كل الأديان، وأن تلك التحولات إنما هي النفاق بعينه، بل والتخبط والاضطراب الفكري.