للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قال: لا سبيل لأحد إلى معرفة حقيقته وكيفيته وهيئته ونحو ذلك فقد أصاب، فينبغي أن يعرف الفصل في هذا الباب حتى يظهر الخطأ من الصواب" (١).وقد أوضح شيخ الإسلام قبل ذلك ما في قول القائل: مالا سبيل لنا إلى العلم به من الإجمال (٢).بقي الكلام في أدلة الفريق الثاني المجوزين لوجود ما لا سبيل لنا إلى العلم به، وقد ساق الرازي أدلتهم، ثم سكت عن الترجيح بين القولين، ولذلك رد عليه شيخ الإسلام قائلا: "قلت: ذكر القولين ولم يرجح أحدهما، ولم يذكر جواب أحدهما عن حجة الآخرين فبقيت المسألة على الوقف والحيرة والشك. وكذلك لما ذكر بعد هذا تقرير قول من جزم بالتأويل، فإنه هنا ذكر الخلاف في جواز ورود ما أمكن فهم معناه، وهناك ذكر قول من أوجب وقوع ذلك وجزم بالتأويل، وقد ذكر حجة كل قوم، ولم يذكر لهم جوابا عن حجة الآخرين (٣) فبقيت المسألة مما تكافأت فيها الأدلة (عنده)، وأما في تفسيره فرجح المنع من التأويل، كما رجح أبو المعالي في آخر قوليه، وكما رجحه أبو حامد في آخر قوله" (٤)، ثم نقل كلام الرازي في تفسيره (٥) وسبب هذه الحيرة والتوقف عند الرازي – كما يرى شيخ الإسلام – "أن كلا القولين اللذين حكاهما عن المتكلمين والذي حكاه عن السلف قول باطل. والذي حكاه عن السلف ليس قولهم ولا قول أحد منهم، ولا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين" (٦).وبهذا يتبين أن خلاصة رأي شيخ الإسلام أنه لابد لكل ما أنزل الله تعالى من معنى يمكن فهمه، وليس هناك فرق بين آيات الصفات وآيات الأحكام. وكثير من الصحابة والتابعين كانوا يعملون تفسير القرآن، ولا توجد آية ليس لهم فيها تفسير يوضح معناها. وتفسيرهم وفهمهم للنصوص هو الذي يرجع إليه عند الاختلاف. أما ما يدعيه أصحاب التأويلات المحرفة من أن تأويلاتهم هي المعاني الصحيحة للآيات التي أولوها، فهذا خطأ منهم (٧).وفي رسالة الإكليل بين شيخ الإسلام "أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها ولا يفهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس، وهذا لا ريب فيه ثم بين سبب الكلام في هذه المسألة فقال: "وإنما وضع هذه المسألة المتأخرون من الطوائف بسبب الكلام في آيات الصفات وآيات القدر وغير ذلك، فقبلوها: "هل يجوز أن يشتمل القرآن على ما لا يعلم معناه، و (أنا) تعبدنا بتلاوة حروفه بلا فهم" فجوز ذلك طوائف متمسكين بظاهر الآية، وبأن الله يمتحن عباده بما شاء. ومنعها طوائف ليتوصلوا بذلك إلى تأويلاتهم الفاسدة التي هي تحريف الكلم عن مواضعه. والغالب على كلا الطائفتين الخطأ، أولئك يقصرون في فهم القرآن بمنزلة من فيه: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ [البقرة: ٧٨]، وهؤلاء معتدون بمنزلة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ... " (٨).


(١) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٢٠٠).
(٢) ((نقض التأسيس)) (٢/ ١٩٩).
(٣) انظر: حجة الفريقين حول جواز التأويل في ((أساس التقديس)) للرازي (ص: ١٨٢ - ١٨٧)، ومن المؤسف أن مخطوطة نقض هذا الفصل انتهت بعد صفحات يسيرة من بداية مناقشتها.
(٤) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٢٢١ - ٢٢٢).
(٥) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٢٢٢)، وقارن بـ ((تفسير الرازي)) (٧/ ١٧٠).
(٦) ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٢٢٢).
(٧) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٢٢٣).
(٨) ((الأكليل في المتشابه والتأويل – مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٨٥ - ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>