للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أطال كثير ممن كتب عن القادياني الرد على هذه الأفكار، والواقع أنه لا ينبغي مجرد الاهتمام بها ولا الردود عليها؛ فهي أحط من أن تثبت أمام المناقشة والجدال، ومن الجدير بالتنبيه إليه أن بشير محمود أحمد في كتابه: (دعوة الأمير) قد ذكر كلاماً كثيراً حول إثبات وفاة المسيح عيسى ابن مريم، وزعم أن الذين يقولون بحياته إلى يومنا الحاضر لا يعرفون الله حق معرفته؛ حيث جعلوا المسيح مثيلاً له في عدم الفناء، وزعم أن اعتقاد حياة المسيح إلى اليوم فيه تأييد للنصارى في زعمهم ألوهية عيسى، أو أنه ابن الله! وهي مغالطة واضحة؛ فإن المسلمين حين يقولون: إن المسيح حي الآن في السماء، لا يقولون: إن حياته مثل حياة الله، بل يثبتون أنه سيرجع إلى الدنيا ثم يموت بعد ذلك كغيره من البشر. وقد اعتبر الميرزا بشير محمود القول بأنه عيسى رفع إلى السماء ومحمداً مدفون في الأرض من أشد الإهانات التي توجه للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند الله، ويقول: كيف أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله تركه للهموم والمصائب ولم يرفعه إلى السماء، وعيسى بمجرد أن تعرض لأدنى خطر رفعه الله إليه وجاء بشخص مثيل له ليصلب!؟ إلخ ما أورده من مغالطات شريرة، فإنه من المعلوم لدى أفهام العقلاء أن كون عيسى رفع ومحمد صلى الله عليه وسلم مدفوناً في الأرض، هذا ليس إهانة للرسول صلى الله عليه وسلم لا من قريب ولا من بعيد، فالأرض والسماء كلها لله، وقد اختار الله أن يكون الأمر على ما ذكر ولا يسأل الله عز وجل عما يفعل، ولا يعترض إلا جاهل، ونحن مع النصوص؛ ما أثبتته نثبته، وما نفته ننفيه، وقد نفت النصوص أن عيسى صلب بل إنه رفع، فيجب اعتقاد ذلك، والقول بأن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم مدفون في الأرض إهانة (١) له، هذه الإهانة لا وجود لها إلا في أذهان المغالطين.

كما أنه أورد شبهاً تدل على وفاة المسيح بزعمه، هي في واقعها تحريفات وتخريفات خاطئة، زخرف فيها القول، وزعم أنها حق تمويهاً على من لم يعرف مغالطاتهم. ومن الأمور التي قررها بشير محمود هو أن والده الميرزا هو المثل للمسيح المتوفى، وأن القول بنزول المسيح عيسى ابن مريم مرة ثانية إلى الدنيا يعتبر احتقاراً للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهضماً للقول بقدرة الله في إرسال الأنبياء والمصلحين؛ إذ كيف يضطر الله إلى إرسال ميت - حسب زعمه - من بني إسرائيل وأمة محمد صلى الله عليه وسلم موجودون، وهذا المفهوم مأخوذ عن ضميمة الوحي، حيث قال الغلام القادياني: (ويدفنون خير الرسل في التراب ويُصْعِدون عيسى إلى السموات العلى فتلك إذا قسمة ضيزى يبصرون ثم لا يبصرون يرون الحق ثم يتعامون) (٢).

المصدر:فرق معاصرة لعواجي ٢/ ٧٨٣ - ٧٩٠

فبعد دعوى القادياني أنه المسيح الموعود دعا الناس إلى مبايعته على ذلك. يقول وكيل التبشير القادياني مبارك أحمد ماك: استهل مؤسس الحركة الأحمدية كفاحه بكتابه التاريخي العظيم (براهين أحمدية) في أربعة مجلدات أعلن فيه أن الله عز وجل قد بعثه مسيحا موعودا طبق أنباء التوراة والقرآن الكريم وفي عام ١٨٨٩م اختار لأتباعه طريق المبايعة للانضمام للحركة الأحمدية. فمن شروط المبايعة للانضمام للجماعة القاديانية ما قاله غلام أحمد أن يعقد مع هذا العبد المسيح الموعود عليه السلام عهد الأخوة خالصا لوجه الله تعالى على أن يطيعني في كل ما آمره به من المعروف ثم لا يحيد عنه ولا ينكثه حتى الممات ويكون في هذا العقد بصورة لا تعدلها العلائق الدنيوية سواء كانت علائق قرابة أو صداقة أو عمل

المصدر:خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء للصادق بن محمد بن إبراهيم - ص ٢٥٨

وبعد أن كون القادياني أتباعا له في داخل الهند وباكستان نشر دعوته إلى الخارج فوجهها أولا إلى العرب حيث يقول: "إن ربي قد بشرني في العرب وألهمني أن أمونهم وأريهم طريقهم وأصلح لهم شئونهم وستجدوني في هذا الأمر إن شاء الله من الفائزين أيها الأعزاء إن الرب تبارك وتعالى قد تجلى علي لتأييد الإسلام وتجديده بأخص التجليات ومنح علي وابل البركات وأنعم علي بأنواع الإنعامات وبشرني في وقت عبوس للإسلام وعيش بؤس الأمة خير الأنام بالتفضلات والفتوحات والتأييدات فصبوت إلى إشراككم يا معشر العرب في هذه النعم وكنت لهذا اليوم من المتشوقين فهل ترغبون أن تلحقوا بي لله رب العالمين" (٣) ثم وجه القادياني بعد ذلك دعوته إلى جميع أرجاء العالم الإسلامي بما في ذلك الأقليات الإسلامية (٤).

المصدر:خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء للصادق بن محمد بن إبراهيم - ص ٢٥٨


(١) ((معتقدات الجماعة الأحمدية الإسلامية)) من (ص٩ - ٢٩).
(٢) ((ضميمة الوحي)) (ص٣٥).
(٣) ((حب العرب من الإيمان)) لمؤسس الجماعة الأحمدية (ص ٦).
(٤) انظر ((كتاب المسألة القاديانية)) لأبي الأعلى المودودي (ص ٨٥) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>