للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبق في بداية هذه المسألة – مسألة المحكم والمتشابه – ذكر أن من حجج الرازي الذي قصد بها دعم مذهب الأشاعرة، أنه لا يجوز ترك ظاهر النص إلا بدليل، ثم ذكر أن الدلائل اللفظية لا تكون قطعية لأنها موقوفة على عشرة أمور. ولذلك عول على الدليل العقلي وأن ما خالفه فهو من المتشابه ويجب تأويله بما يوافقه. ومسألة العقل والنقل سبق الحديث عنها، وتبين أن القول بتعارضهما، أو تقديم العقل عند توهم التعارض بينه وبين الشرع، من أعظم الباطل. وقد رد شيخ الإسلام على كلام الرازي السابق – حول التعويل على الدليل العقلي لتمييز المحكم من المتشابه وأن الأدلة اللفظية ليست قطعية – من وجوه عديدة (١)، تعقب فيها عبارات الرازي التي أوردها في أساسه وبين فيها خطأه وتناقضه، مبينا أن كلامه هذا يؤدي إلى عدم الاستدلال بالسمع أصلا – وهو ما صرح به في بعض كتبه – لأن الاحتجاج به موقوف عنده على نفي المعارض العقلي (٢)، ولذلك يقول شيخ الإسلام في أحد الأوجه: "إنك صرحت هنا وفي غير هذا الموضع أن شيئا من الدلائل اللفظية لا يفيد العلم، وحينئذ فالظاهر سواء عارضه دليل عقلي أو لم يعارضه لا يحصل به علم عندك، فإذا أقر الظاهر فإنما يفيد عندك الظن. (و) الظن لا يجوز التمثيل به في الأصول، فكل آية دلت على مسألة أصولية لا يجوز الاحتجاج بها عندك، بل يجب أن يكون من المتشابه، وعلى هذا فليس القرآن في الباب منقسما عندك إلى محكم ومتشابه، ومع هذا أنه مناقض لما تقرره فهو مخالف لصريح القرآن والسنة والإجماع، وهو باطل عقلا وشرعا" (٣).على أن قول الرازي مناقض لنص آية المتشابه لأن الله سبحانه وتعالى أخبر أن من الكتاب آيات محكمات هن الأصل الذي يبنى ويرد إليه المتشابه، والرازي جعل الأصل الذي يرد إليه: العقل، بل إنه جعل القرآن كله محكمه ومتشابهه يرد إلى هذا الأصل وما خالفه فهو متشابه (٤).وهذه الأدلة العقلية التي يعول عليها الرازي وأصحابه، والتي أولوا من أجلها نصوص الصفات التي دل عليها القرآن هي "أقوال باطلة لا تفيد عند التحقيق لا علما ولا ظنا، بل جهلا مركبا" (٥).والقول بأن الدلائل اللفظية لا تفيد القطع هو من أعظم السفسطة، ولذلك لا يعرف هذا القول عن طائفة معينة معروفة من طوائف بني آدم لأنه يؤدي إلى القدح بلغة التخاطب بين الناس التي بها يكلم بعضهم بعضا ويفهم بعضهم عن بعض، وعامة أمور وأحوال بني آدم مبنية على هذا، من بداية تمييز الطفل وفهمه عن والديه، إلى آخر أمور البيع والشراء والنكاح والطلاق وقضاء مختلف الحوائج، ووصف بعضهم لما جرى لبعض ... الخ "ثم إذا كان هذا البيان والدلالة موجودا في كلام العامة الذين لا يعدون من أهل العلم، فأهل العلم أولى بأن يبينوا مرادهم، وبأن يفهم مرادهم من خطابهم، وإذا كان هذا في العلماء الذين ليسوا بأنبياء، والأنبياء أولى إذا كلموا الخلق وخاطبوهم أن يبينوا مرادهم، وأن يفهم الناس ما بينوه بكلامهم، ثم رب العالمين أولى أن يكون كلامه أحسن الكلام وأتمه بيانا، وقد قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:٤] (٦).ودعوى الرازي أن دلائل القرآن موقوفة على عشرة مقدمات ظنية باطل من وجوه (٧)،


(١) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٣٠٣ - ٣٥٧).
(٢) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٣٠٨).
(٣) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٣٠٩)، وانظر في الصفحة نفسها نموذجا آخر لتناقض الرازي.
(٤) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط (٣/ ٣٠٩ - ٣١٠).
(٥) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٣١٢).
(٦) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٣١٧).
(٧) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ٣٢١) وما بعدها ..

<<  <  ج: ص:  >  >>