للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن هذا الكفر كما ترى أصل لكفريات متعددة متنوعة أولها إنه يجعل المعجزات من الشعوذة وعلى ذلك لا تكون معجزة بل صارت من خفة الأيدي التي تكتسب بالممارسة والمرن. كذلك قال الذين سبقوا من الكفار مكذبين رسل الله إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [المائدة: ١١٠] وسواء أن يقول مسمريزم (الشعوذة) أم سحر فإن مفادهما واحد؛ فإنه يعني في النهاية أنها ليست من المعجزات الإلهية بل الحيل المكتسبة ولذا رد كلمة الله المسيح صلى الله تعالى عليه وسلم على أمثال هؤلاء الجاحدين المرتابين ردا مؤكدا مرة تلو الأخرى مفندا أوهامهم الضالة فإنه قال قبل أن يتعرض لسرد معجزاته مؤكدا أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ [آل عمران: ٤٩]. ثم أكد بعد ذلك قائلا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة:٢٤٨] ثم كرر التأكيد كما يحكي القرآن الكريم وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ [آل عمران: ٥٠]، ولكن من لم يسمع لرب عيسى كيف يسمع لعيسى؟ وليس منه بمستبعد أن يقول دع عنك فالكل تعجبه نفسه ولا يصف أحد رَوبَه بالحمُوضة. ثم كراهته هذه المعجزات واستصغارها ثاني الكفريات؛ فإن هذه الكراهة إن كانت راجعة إلى أنها عمل مذموم فالكفر بين وظاهر يقول الله عز وجل تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة: ٢٥٣] ثم بين سبحانه وتعالى تلك الفضيلة قائلا وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة: ٢٥٣] وإن كان منشأ تلك الكراهة وهذا الاستصغار ترفعه عنها وتعاليه عليها بزعم أنها (لا تليق بشأني الرفيع ومنصبي الأعلى وإن كانت في نفسها فضيلة) فيكون قد فضل نفسه على نبي جليل من الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام وبذلك لا مفر من الكفر والارتداد بحال من الأحوال ثم في هذه الكلمات الشيطانية ازدراء لشأن المسيح كلمة الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتلاعب بمنزلته الرفيعة وهو ثالث الكفريات وقد رأينا مثل هذه الإهانة منه فيما سبق في الكفر السادس وأكبر من هذا كله وأخطره الكفر التاسع الذي يكتب فيه عن المسيح عليه السلام كما في كتابه (الإزالة) (بسبب قيامه "عيسى" بعملية الشعوذة كاد يفشل أو كان على أحط درجة من تنوير الباطن والتوحيد والثبات الديني) (١). إنا لله وإنا إليه راجعون ألا لعنة الله على أعداء أنبياء الله وصلى الله تعالى على أنبيائه وبارك وسلم.


(١) ((إزالة الأوهام)) مرزا القادياني (ص ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>