للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآن بعد عرض تلك الآراء المتباينة حول سبب هذه التسمية، سأقوم بمناقشتها وبيان الرأي الراجح في ذلك، وسأترك الكلام حول الرأي الأول لأنني سأعود إليه بعد الرّد على الآراء الأخرى. بالنسبة للرأي الثاني القائل أن هذه الطائفة سميت بهذا الاسم نسبة إلى يزيد بن أنيسة الخارجي، وبناء عليه فإن هؤلاء اليزيديين هم فرقة من الخوارج فلا أصل له وللرّد عليه أقول: إن هؤلاء اليزيدية الذين هم موضوع هذه الرسالة لا يمتّون إلى يزيد بن أنيسة بشيء، فشتان ما بينهم وبين أتباع هذا الأخير، فيزيد بن أنيسة (كان من البصرة ثم انتقل إلى تون من أرض فارس، وكان على رأي الأباضية من الخوارج ثم إنّه خرج بقوله بأن شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان برسول من العجم، وينزل عليه كتابا من السماء، وينسخ بشرعه شريعة محمد صلى الله عليه وسلم (. ثم إن يزيد بن أنيسة هذا غير معروف عند اليزيدية بتاتاً ولا وجود لذكره بينهم وقد اختلط الأمر على أصحاب هذا القول فظنّوا أن اليزيدية الذين ذكرهم الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) هم نفس هؤلاء اليزيدية الذين نحن بصدد الكلام عنهم. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن هناك فرقاً كثيرة قد سميت باليزيدية مثل أتباع يزيد الجعفري، ويزيد ابن أنيسة وغيرهما، لذلك ينبغي التفرقة بينهم وبين اليزيدية الذين هم موضوع هذه الرسالة. أما للرد على أصحاب الرأي الثالث والقائلين بأن اليزيدية هي نسبة لمدينة يزد الإيرانية فأقول: لو كان صحيحاً نسبة هؤلاء القوم إلى تلك المدينة لكان الأجدر أن يطلق عليهم اسم اليزديين، ثمّ إنّ القول بأن هذه النحلة ظهرت في مدينة يزد لا تؤيده الأدلة التاريخية، إذ إن جميع المؤرخين والباحثين الذين يعتد برأيهم والذين تحدثوا عن أصل اليزيدية يقولون أنها ظهرت في منطقة الشيخان القريبة من محافظة نينوى (الموصل) العراقية. وبالنسبة للرأي الرابع والقائل إن اليزيدية هي نسبة إلى (يزدان)، أو (إيزدان)، أو (إيزي) والتي تعني الإله، فسوف أورد الأدلة التي تمسك بها أصحاب هذا الرأي وأكثرهم من الذين يريدون نفي العلاقة بين اليزيديين والإسلام يميلون إلى هذا الرأي. يقول الدكتور خيري نعمو الشيخاني: التسمية الصحيحة هي " الإيزدية " لأنها كلمة كردية عريقة وقد اشتقت من كلمة يزدان أو إيزدان والتي تعني الموحدون أو المنتمون إلى دين الله أو المؤمنون بالله. ويقول الدكتور مهرداد إيزدي الأستاذ في جامعة هار فارد: رغم أن لفظة YAZAT YAZET _ تعني الملاك أو السيد أو حتى الإله، فإن " يزيدي " تحيل خطأً إلى الخليفة الأموي يزيد، ومن ثَمّ فإن إيزيدي مفضل على يزيدي باعتباره ينفي أي صلة مع الخليفة الأموي فضلاً عن أنه يؤدي المعنى المرتبط بكلمة ملاك، سيد، إله، على هذا فأرى أنه يجب تصحيح التهجئة العربية بحيث تثبت إيزدي لا إيزيدي. أما الباحثان نزار غري وأوميد فتاح فيقولان: إن كلمة يزيدي مشتقة من الأصل السنسكريتي " يازدا YAZADA بمعنى الخالق أو المبتكر ثم خففت في البهلوية إلى يازد وجمعها يازدان أو يزدان. ويقول المستشرق W. E ويكرام ( Wigram) يؤمن اليزيدية بالكائن الأعلى يزدان الذي يسمو على الكل، لكنهم لا يعبدونه، إنّه ربّ السماء فحسب، والأرض لا تدخل ضمن دائرة نفوذه أو مملكته، ومن اسمه اشتقوا اسم طائفتهم اليزيدية على أصوب الاحتمالات وأرجحها.

<<  <  ج: ص:  >  >>