غير أن للحبشي في هذه المسألة فتوى شنيعة أباح فيها لمن ذهب إلى بلاد الكفار أن يعلق صليباً إذا هو خاف على نفسه من أذاهم (الدليل القويم ١٥٥). فالترخيص يحصل عنده بلبس الصليب لمجرد مظنة الأذى وليس عند حصول الأذى لإجباره على لبسه، وفرقٌ بين حصول الإكراه وبين مجرد توقعه.
المصدر:الحبشي شذوذه وأخطاؤه لعبد الرحمن دمشقية - ص ٠٨
فتواه في مخارج الحروف
وكذلك أفتى بوجوب تشديد مخارج السين والصاد لأنهما من الأحرف المستقبحة. ثم علّمهم التلفظ بهما بطريقة مستقبحة، ولقد سئم الناس من هذا السلوك الشاذ والوسوسة في التلفظ حتى قالوا: إذا أردت سماع تغريد البلابل والعصافير فعليك بالصلاة في مسجد أبي حيدر.
وقد شدد عليهم في ألفاظ النية، حتى صار تشديدها عندهم في الصلاة هو الشغل الشاغل وشق عليهم أداء تكبيرة الإحرام عند الدخول إلى الصلاة، فقال: (والتشديدات) وهي أربعة عشر شدة فمن ترك واحدة لم تصح صلاته".
فأين هذا من سيرة سيد المرسلين وأصحابه هل كانوا على هذا النحو من التكلف؟
قال: "وأولى الحروف عناية بإخراجها وهي الصاد (الموالاة). وذلك بأن لا يفصل بين شيء منها وما بعده فصلاً طويلاً أو قصيراً بنية قطع القراءة. (والترتيب) أي الإتيان بها على نظمها المعروف، وأولى الحروف عناية وهي الصاد. ." (صريح البيان ١٢٣).
وهكذا شغلهم بالوسوسة عن تدبر التلاوة واستحضار الخشوع. حتى شكا غير واحد من أتباعه من كثرة الوسوسة عند الشروع في الصلاة. واضطر بعضهم إلى إعادة تكبيرة الإحرام مرات عديدة من أجل أن توافق ألفاظُ النية تكبيرة الإحرام.
وقد روى الشعراني عن الشيخ الفتوحي الحنبلي أنه قال "قد أتعب الموسوسون أنفسهم في ألفاظ النية التي أحدثوها، واشتغلوا بمخارج حروفها، ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، إنما كان ينوي بقلبه فقط، وكذلك أصحابه. فاستحوذ الشيطان على طائفة، وأشغلهم بمخارج حروف النية ليصرف قلوبهم عن الحضور مع الله تعالى الذي هو روح الصلاة".
أضاف الشعراني "وكان الشيخ شمس الدين اللقاني المالكي يقول: لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء لمقتهم. ولو أدركهم عمر رضي الله عنه لضربهم. ولو أدركهم أحد من الصحابة والتابعين لبدّعهم وكرههم (لطائف المنن والأخلاق للشعراني ٥٦١). انتهى.
ومع أن الحبشي نهى عن التنطع في أمور الطهارة والصلاة وعدَّ ذلك من الوسوسة قائلاً "والتعمق والتنطع معناهما واحد وهو التشديد في الطهارة والصلاة ونحوهما من أنواع العبادات. وقد قالوا: إن للموسوسين شيطاناً يضحك عليهم ويستهزئ بهم (بغية الطالب ص١٠٠).
غير أنه لم يتنبه إلى أن تعاليمه أدت إلى ضحك الشيطان وتمكنه من وسوستهم لأن التلاوة والصلاة من أنواع العبادات أيضاً، ويحصل لأتباعه من مثل هذه الوسوسة في التلاوة الشيء الكثير. وتجد بعضهم يكرر تكبيرة الإحرام مراراً ولا يتمكن من اجتياز هذه المرحلة إلا بشق الأنفس. فلماذا لا نقول بأن الشيطان يضحك من هؤلاء أيضاً؟
المصدر:الحبشي شذوذه وأخطاؤه لعبد الرحمن دمشقية – ص ١١٤