للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عليها في هذا الباب: أن ما استدل به المبتدعة من نفي التغير – الحركة، والسكون – الذي سموه أفولاً، على تعطيل الباري جل وعلا عن صفاته الاختيارية: هو على نقيض مطلوبهم، لا على تعيين مرادهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإن كان إبراهيم – عليه السلام – إنما استدل بالأفول على أنه ليس رب العالمين؛ كما زعموا: لزم من ذلك أن يكون ما يقوم به الأفول؛ من كونه متحركاً، منتقلاً، تحله الحوادث، بل ومن كونه جسماً متحيزاً: لم يكن دليلاً عند إبراهيم على أنه ليس برب العالمين وحينئذ: فيلزم أن تكون قصة إبراهيم حجة على نقيض مطلوبهم، لا على تعيين مطلوبهم. وهكذا أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية، ولا عقلية، إلا وهي عند التأمل حجة عليهم لا لهم" (١).فقيام الحركة والانتقال بالكوكب، أو القمر، أو الشمس: لم يناف مقصود إبراهيم عليه السلام، لذلك لم ينف محبة من قامت به هذه الصفة، وإنما نفى محبة من أفل؛ فعلم أن التغيب ينافي مقصود الخليل عليه السلام؛ "فإن كان مقصوده نفي كونه رب العالمين، كان ذلك حجة عليهم لا لهم. وكانوا قد حكوا عن إبراهيم أنه لم يجعل التغير والحركة والانتقال مانعة من كون الموصوف بذلك رب العالمين، فما ذكروه لو صح كان حجة عليهم لا لهم. وبكل حال: فإبراهيم لم يجعل الحركة والانتقال مانعة من حب المتصف بذلك، كما جعل الأفول مانعاً فعلم أن ذلك ليس من صفات النقص التي تنافي كون المتصف بها معبوداً عند إبراهيم" (٢).يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولقائل أن يقول: إن كان الخليل صلى الله عليه وسلم احتج بالأفول على نفي كونه رب العالمين، لزم أنه لم يكن ينفي عنه حلول الحوادث؛ لأن الأفول هو المغيب والاحتجاب باتفاق أهل التفسير واللغة، وهو مما يعلم من اللغة اضطراراً. وهو حين بزغ قال: هَذَا رَبِّي، فإذا كان من حين بزوغه إلى حال أفوله لم ينف عنه الربوبية، دل على أنه لم يجعل حركته منافية لذلك، وإنما جعل المنافي: الأفول" (٣).

- فالخليل عليه السلام لم ينف الربوبية عن الكوكب، أو القمر، أو الشمس: حال حركتهم وانتقالهم من مكان إلى مكان، وإنما نفى ذلك وقت غيابهم واحتجابهم ..

فدل ذلك على أن رب العالمين تقوم به الأفعال الاختيارية، لا كما زعم نفاتها ..

هذا لو سلمنا للمبتدعة أن إبراهيم عليه السلام كان بصدد إثبات رب العالمين.

غير أن الواقع أن الخليل عليه السلام كان يحتج بالأفول على أن من يتصف به لا يصلح أن يتخذ رباً يشرك به، ويدعى من دون الله.

وهكذا تبين لنا أن طريقة الخليل عليه السلام إنما كانت لنفي ألوهية الكواكب، ونفي عباداتها من دون الله تعالى، لا لإثبات حدوث العالم بدليل الحركة والسكون، ولا للاستدلال على حدوث الأجسام بتغيرها وأفولها ..

واتضح أن قصة الخليل عليه السلام حجة على المبتدعة؛ سيما أولئك الذين يستندون إليها في نفي قيام أفعال الله الاختيارية بذاته جل وعلا ..

المصدر:الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا – ٢/ ٤٤٤


(١) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (٦/ ٢٥٤).
(٢) ((درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية)) (٤/ ٧٧، ٧٨).
(٣) ((درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية)) (٢/ ٢١٦). وانظر: ((رسالة في الصفات الاختيارية له – ضمن جامع الرسائل)) (٢/ ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>