للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالكفر الذي عند الأول وجوده كعدمه فلم يكن هذا كافراً عندهم أصلاً، والإيمان الذي كان عند الثاني وجوده كعدمه فلم يكن عندهم مؤمناً أصلاً لأن الإيمان هو ما يوافي به العبد ربه. أما جمهور أهل العلم فيقولون: الولاية والعداوة وإن تضمنت محبة الله ورضاه وبغضه وسخطه فهو سبحانه يرضى عن الإنسان ويحبه بعد أن يؤمن ويعمل صالحاً، وإنما يسخط عليه ويغضب بعد أن يكفر كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ [محمد: ٢٨] فأخبر أن الأعمال أسخطته وكذلك قال: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف: ٥٥] قال المفسرون: أغضبونا وكذلك قال تعالى: وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر: ٧] وغير ذلك من النصوص الدالة على أن غضب الله وسخطه ورضاه وحبه يكون بعد حصول ما يقتضي ذلك من العبد، فالله يبغض العبد إذا حصل منه الكفر ويحبه إذا حصل منه الإيمان. وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية أدلة هذه المسألة بسطاً وافياً في كتاب (الإيمان) وذكر أدلتها من الكتاب والسنة (١).الخامس: أن هؤلاء لما عللوا الاستثناء في الإيمان بتلك العلة طرد أقوام تلك العلة في الأشياء التي لا يجوز الاستثناء فيها بإجماع المسلمين بناء على أن الأشياء الموجودة الآن إذا كانت في علم الله تتبدل أحوالها فيستثنى في صفاتها الموجودة في الحال ويقال: هذا صغير إن شاء الله لأن الله قد يجعله كبيراً، ويقال: هذا مجنون إن شاء الله لأن، الله قد يجعله عاقلاً ويقال للمرتد هذا كافر إن شاء الله لإمكان أن يتوب وهؤلاء الذين استثنوا في الإيمان بناء على هذا المأخذ ظنوا هذا قول السلف (٢) والمقصود أن بدعة هؤلاء ومأخذهم في الاستثناء جر إلى بدع أخرى عديدة. فإن بدعة هؤلاء كانت وراء نشوء بدعة المرازقة الذين ينتسبون إلى عثمان بن مرزوق فقد كانوا يستثنون في الإيمان اتباعاً للسلف واستثنوا أيضاً في الأعمال الصالحة كقول الرجل صليت إن شاء الله ونحو ذلك بمعنى القبول لما في ذلك من الآثار عن السلف ثم صار كثير من هؤلاء بآخره يستثنون في كل شيء، فيقول هذا ثوب إن شاء الله، وهذا حبل إن شاء الله فإذا قيل لأحدهم: هذا لا شك فيه قال: نعم لا شك فيه، لكن إذا شاء الله أن يغيره غيره فيريدون بقولهم إن شاء الله جواز تغييره في المستقبل وإن كان في الحال لا شك فيه كأن الحقيقة عندهم التي لا يستثنى فيها ما لم تتبدل كما يقوله أولئك في الإيمان، إن الإيمان ما علم الله أنه لا يتبدل حتى يموت صاحبه عليه (٣) فبدعة أولئك جرت إلى بدعة هؤلاء، والبدع يتوالد بعضها من بعض.


(١) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٤٢ وما بعدها).
(٢) انظر ((الفتاوى)) (٧/ ٤٣٤).
(٣) انظر ((الفتاوى)) (٧/ ٤٣٢، ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>