ومن كذب بهذا أو بعضه فقد انسلخ عن الإسلام بلا شك ونعوذ بالله من الخذلان. وهذه براهين لا محيد عنها.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن لله ملائكة يبلغون منا السلام، وأنه من رآه في النوم فقد رآه حقاً.
ولقد بلغني عن بعضهم أنهم يقولون إن أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن لسن الآن أمهات المؤمنين، لكنهن كن أمهات المؤمنين، وهذا ضلال بحت وحماقة محضة، ولو كان هذا لوجب أن لا تكون أم المرء التي ولدته وأبوه الذي ولده أباه ولا أمه إلا في حين الولادة والحمل من الأم فقط، وفي حين الإنزال من الأب فقط لا بعد ذلك، وهذا من السخف الذي لا يرضى به لنفسه ذو مسكة.
فإن قالوا: أتقولون أن عمر أمير المؤمنين اليوم أو عثمان أيضاً كذلك؟ قلنا لهم: لا، وهذا إجماع لأنه لا يكون أميراً إلا من الائتمار لأمره واجب وليس هذا لأحد بعد موته إلا للنبي وإنما هو لخليفة بعد خليفة طول حياته فقط. فبطل أن يكون لها فيها متعلق. "الفصل ١/ ٨٨ - ٩٠".
فرق المقرين بملة الإسلام خمسة
وهم أهل السنة والمعتزلة والمرجئة والشيعة والخوارج، ثم افترقت كل فرقة من هذه على فرق، ثم سائر الفرق الأربعة التي ذكرنا ففيها ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد وفيهم ما يخالفهم الخلاف القريب:
فأقرب فرق المرجئة إلى أهل السنة من ذهب مذهب أبي حنيفة الفقيه إلى أن الإيمان هو التصديق باللسان والقلب معاً، وأن الأعمال إنما هي شرائع الإيمان وفرائضه فقط.
وأبعدها أصحاب جهم بن صفوان والأشعري ومحمد بن كرام السجستاني، فإن جهما والأشعري يقولون إن الإيمان عقد بالقلب فقط، وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه وعبد الصليب في دار الإسلام بلا تقيه.
أما المرجئية فعمدتهم التي يتمسكون بها الكلام في الإيمان والكفر ما هما والتسمية بهما والوعيد، واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلفت غيرهم، وأما المعتزلة فعمدتهم التي يتمسكون بها الكلام في التوحيد وما يوصف به الله تعالى ثم يزيد بعضهم الكلام في القدر والتسمية بالفسق أو الإيمان والوعيد وقد يشارك المعتزلة في الكلام فيما يوصف الله تعالى به جهم بن صفوان ومقاتل بن سليمان والأشعرية وغيرهم من المرجئية "الفصل ٢/ ١١١ - ١١٢".
المصدر:موقف ابن حزم من المذهب الأشعري لعبد الرحمن دمشقية - ص ٢٩