للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما المراد عاقبة الأمر وصيرورة الحال؛ أي لما وجد الخلق كلفوا بالعبادة فترتب التكليف بالعبادة على وجود الخلق.

قال الشهرستاني:"وأما الآيات في مثل قوله تعالى: وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الجاثية: ٢٢] فهي لام المال وصيرورة الأمر، وصيرورة العاقبة لا لام التعليل، كما قال تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص: ٨] " (١).

وقال السنوسي في شرح القواعد:

"ومن الجهل بفن علم البيان أخذ المعتزلة تعليل أفعاله تعالى بالأغراض من قوله جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦]. فجعلوا اللام للتعليل حقيقة ولو خالطوا فن البيان لعرفوا أن الآية من باب الاستعارة التبعية.

وأنه شبه التكليف بالعبادة في ترتبه على الخلق بالعلة الغائية، التي تترتب على الفعل، ويقصد الفعل لأجلها، فجعلت العبادة أي التكليف بها لأجل هذه الشبه علة غائية بطريق الاستعارة، فتبع ذلك استعارة اللام الموضوعة للتعليل. ودخلت على العبادة للدلالة على العلة المجازية" (٢).

وقد سبق أن بينا رأى السلف في لام العاقبة وأنها لا تكون في حقه تعالى، بل تكون في حق من يجهل العاقبة للفعل الذي يقدم عليه كما في قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص: ٨] ".فإن فرعون لم يكن يعلم عاقبة تربيته لموسى عليه السلام، حيث كان هلاكه على يديه. وأما من هو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير فلا تكون هذه اللام في حقه" (٣).

وإذا تأملنا نجد أنه لا وجه لإنكار ورود تعليل أفعال الله تعالى في القرآن الكريم، وصرف اللام عن كونها للتعليل إلى كونها للعاقبة؛ وذلك لأن التعليل قد ورد بأدوات أخرى غير اللام، فقد وردت أداة "كي" الصريحة في التعليل، و"من أجل" وغير ذلك مما يفيد التعليل كما سبق ذكره.

وقد أقر بالتعليل غير المعتزلة كالشاطبي والتفتازاني وصدر الشريعة وغيرهم.

المصدر:الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى لمحمد ربيع المدخلي - ص ٦٦


(١) الشهرستاني، ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) (ص: ٤٠٢).
(٢) نقلا عن ((رسالة الدمنهوري المخطوطة في تنزيه أفعال الله عن الأغراض)) (ص: ١١).
(٣) انظر ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: ٤٠٢)، و ((بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية)) لابن تيمية (١/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>