للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: لصاحب "مسلم الثبوت"، فهو قد فهم أن الأشاعرة والمعتزلة متفقون على أن، المشرع للأحكام هو الله تعالى.

إلا أن المعتزلة قالوا: إن العقل يمكنه أن يدرك بعض الأحكام كوجوب معرفة الله قبل ورود الشرع. أما الأشاعرة فقالوا: لا يمكنه ذلك (١).

والفهم الثاني: للشريف الجرجاني:

فقد قال: "ليست الأشاعرة والمعتزلة على وفاق في أن المشرع للأحكام هو الله تعالى؛ بل الأحكام ثابتة للأفعال في أنفسها عند المعتزلة، والشرع يأتي مقررا لما أدركه العقل من تلك الأحكام، وكاشفا عما خفى على العقل إدراكه.

فالأفعال إما حسنة في أنفسها، يستحق فاعلها مدحا وثوابا، أو قبيحة في أنفسها يستحق فاعلها ذما وعقابا.

فوجوب الفعل بمعنى استحقاق فاعله للمدح والثواب صفة لازمة للفعل. وقالت الأشاعرة: المشرع للأحكام هو الله تعالى، فليس هناك حكم ثابت للفعل في نفسه، بل الذي يحكم بالوجوب أو الحرمة ونحوهما هو الشرع.

فمن قال: إن العقل يحكم بوجوب الفعل أو حرمته عند المعتزلة فقد أخطأ؛ ذلك أن العقل لا يحكم بوجوب ولا حرمة، بل الأحكام ثابتة في نفس الأمر. ومن قال: إن المشرع للأحكام هو الله تعالى باتفاق الأشاعرة والمعتزلة فقد أخطأ" (٢).

ومن هذا يتبين أن صاحب "مسلم الثبوت" ينفي عن المعتزلة أن يكون العقل عندهم هو المشرع للأحكام، بل المشرع للأحكام هو الله تعالى.

أما الشريف الجرجاني فهو كذلك ينفي عن المعتزلة أن يكون العقل هو المشرع للأحكام، بل الأحكام من وجوب وحرمة ثابتة للأفعال في نفس الأمر؛ إذ هي صفات لازمة لها. أما العقل فقد يدرك بعض تلك الأحكام قبل ورود الشرع والشروع يأتي حينئذ مقررا لما أدركه العقل وكاشفا عما لم يدركه.

المصدر:الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى لمحمد ربيع المدخلي - ص ٨١


(١) انظر ((فواتح الرحموت، شرح مسلم الثبوت)) (١/ ٢٥) "مطبوع مع المستصفي".
(٢) انظر ((تعليق الأستاذ الشيخ محمد يوسف الشيخ على شرح عبدالسلام علي الجوهرة)) (ص: ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>