ليس هناك تلازم ضروري بين الأسباب والمسببات أو العلة والمعلول، يقول الغزالي:(الاقتران بين ما يعتقد في العادة سببًا، وبين ما يعتقد مسببًا، ليس ضروريًا عندنا) بل ليس هناك علاقة تسببية بين السبب والنتيجة (بل كل شيئين ليس هذا ذاك، ولا ذاك هذا، ولا إثبات أحدهما متضمنًا لإثبات الآخر ولا نفيه متضمنًا لنفي الآخر).
وإذا احتج عليهم إنسان بأنه يرى دائمًا الاحتراق يعقب النار، والإسكار يعقب الخمر، تعللوا في ذلك بأنه لا يرجع إلى تلازم بين الأسباب الطبيعية، وإنما هو نتيجة الاعتياد من رؤيتهما معًا وفي ذلك يقول الباقلاني:(إن ما هو مشاهد في الحس لا يوجد ضرورة ولا وجوبًا وإنما هو يجري مجرى العادة، بمعنى وجوده وتكراره على طريقة واحدة)، ثم يأتي بعده الغزالي ويتوسع في إرجاع التلازم بين الأسباب الطبيعية ومسبباتها إلى حكم العادة ويرى أن (اللازمات .. يجوز أن تنفك عن الاقتران بما هو لازم لها، بل لزومه لحكم العادة).
وقال البغدادي:( .. وأجازوا ـ أي الأشاعرة أن يجمع الإنسان بين النار والقطن والحلفاء فلا تحرقها على نقض العادة .. ) فليس لأية ظاهرة طبيعية فعل خاص يصدر عنها فليس في الخمر إسكار مثلاً وأنه لا مقوم داخلي لأي جسم يجعل منه فاعلاً إذ أن الأجسام منفصلة إلى أجزاء فهي جواهر فردة لا يربط بينها إلا بالقدرة الإلهية والسبب في الحقيقة لا أثر لها البتة بدليل إمكان انفكاك المسببات عن أسبابها ولكن اعتاد الناس وألفوا هذا الاقتران بينهما فحكموا بالضرورة وليس لديهم من حجة إلا المشاهدة يقول الغزالي (فإن اقترانها بما سبق من تقدير الله ـ سبحانه، يخلقها على التساوق لا لكونه ضروريًا في نفسه .. بل في المقدور خلق الشبع دون الأكل، وخلق الموت دون جز الرقبة، وإدامة الحياة مع جز الرقبة) وإن كان الناس لم يألفوا هذه الأمور أو ألفوا بعضها، ولم يألفوا جز الرقبة مع بقاء الحياة (فأما النار وهي جماد، فلا فعل لها، فما الدليل على أنها الفاعل، وليس لهم دليل إلا مشاهدة حصول الاحتراق) فهي العادة لا أكثر وإلا فلا شيء يفعل في شيء.