أولاً: يقول الشهرستاني: (صار أبو الحسن الاشعري - رحمه الله تعالى- إلى أن أخص وصف للإله هو القدرة على الاختراع، فلا يشاركه فيها غيره، ومن أثبت فيه شركه فقد أثبت إلهين) ولهذا أراد الأشاعرة أن يحافظوا على أخص وصف لله تعالى فلا ينسبوا لغيره صفة القادرية ولا الفاعلية ولا الإحداث لأن كل ذلك لا يليق إلا بالله ـ سبحانه ـ ولهذا يسوي الإمام أبو الحسن الأشعري بين هذه الألفاظ في المعنى، فالخلق، والفعل، والإحداث، والاختراع كلها بمعنى واحد وهي لا تليق إلا بالله وإذا أطلقت على الإنسان فإنه لا يراد بها إلا معنى الكسب لا حقيقة الفعل فهو يقول:(لا قادر عليه ـ أي على الفعل ـ أن يكون ما هو عليه من حقيقة أن يخترعه إلا الله) بمعنى لا أثر لقدرة الإنسان في فعله إلا الاكتساب ولهذا ذهب الأشاعرة إلى أن (القدرة الحادثة على رأينا، فإنها لا تؤثر، وليست مبدأ لأثر) إذن لا شغل لقدرة العبد إلا الاقتران أما أن يؤثر فلا (وعندنا لا فرق إلا ما يعود إلى جريان العادة) هذا المبدأ الذي اهتم به الأشاعرة ـ وهو لا فاعلية ولا خالقية ولا إحداث ولا اختراع ـ كان الأساس في القول بعقيدة العادة وأنه لا أثر لشيء في شيء البتة وإلا ثبت الشرك فالعادة هي الكسب وكلاهما معناه اقتران شيء بشيء ويستدل الأشاعرة على ذلك بكثير من الآيات القرآنية، وأن الله أسند لنفسه الخلق فقال:(ذالكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) فاستحق العباد لاستحقاقه الخلق.
ويلاحظ ابن رشد أن من جملة الدوافع التي دفعت الأشاعرة إلى القول بالتجويز:(الهروب من القول بفعل القوى الطبيعية، والخوف من أن يدخل عليهم في القول بالأسباب الطبيعية أن يكون العالم صادرًا عن سبب طبيعي).
ولا شك فإن الأشاعرة ردوا على الطبائعيين اعتقادهم بأن الطبيعة خالقة أو أن لها أثرًا في الأشياء بل الخالق الفاعل المحدث هو الله سبحانه يقول البوطي:(الواقع أن هذا القول لا يعتمد إلا على وهم مجرد، ذلك لأن الطبيعة لا تعطيك من واقعها إلا هذا الاقتران وهو بحد ذاته ليس أكثر من الاقتران مهما كان ثابتًا ومستمرًا). فلا شيء له أثر في شيء من نفسه بل ما يراه الناس إنما هو اقتران وانسجام.
ويقول آخر:( .. ولا يقول لشيء من الأشياء في الكائنات بخاصة ناشئة من ذاته غير قابلة للانفكاك عنه إلا طبيعي منكر للإله بالمرة) وهذا يعني القول بعدم تأثير الطبائع أو السبب أو إلغاء عملها في الوجود. فلا سببية ولا طبيعية. ويقول الأشاعرة (إن الكائنات بأجمعها مستندة إلى الله من غير واسطة) أي لا مكانة لواسطة الأسباب والمسببات في خلق أو تأثير (فالاعتراف مثلاً بأن الشمس تعطي الحركة والحياة للأشياء يكون شركًا).
ثانيًا: رتب الأشاعرة على القول بعقيدة العادة ثبوت المعجزات الخارقة للعادة وعدم القول بها إنكار للمعجزات فقال الغزالي في معرض الرد على المخالفين: (وحكمهم بأن هذا الاقتران المشاهد في الوجود بين الأسباب والمسببات اقتران تلازم بالضرورة، وليس في المقدور، ولا في الإمكان إيجاد السبب دون المسبب، ولا وجود المسبب دون السبب ترتب عليه عدم إثبات المعجزات الخارقة للعادة مثل قلب العصا ثعبانًا، وإحياء الموتى وشق القمر، ومن جعل مجاري العادات لازمة لزومًا ضروريًا أحال جميع ذلك .. ).
ويناقش مصطفى صبري هذا الأمر وهو يرى أنه لا مانع لله أن يفعل ما شاء (فالله تعالى في عقيدة المؤمنين إذا شاء يسلب الأشياء ما جرت سنته فيها، ويكون هذا السلب خرقًا منه للعادة لا خرقًا للعقل حتى يكون محالاً .. وكذا الكلام في إحراق النار ما تحرقه أنه كما يكون بإذن الله تعالى يكون كف النار عن الإحراق بأمر الله، ولا خرق بين الحالين بالنسبة إلى قدرة الله). ومعناه يستوي بالنسبة إلى قدرة الله أن تكون الأسباب مقترنة بالجواز أو بالضرورة، فلا شيء يمنع قدرة الله من أن يسلب النار مثلاً عملها فلا تعود محرقة .. وهذا معنى ثبوت معجزة إبراهيم عليه السلام بأن النار لم تؤثر عليه ولهذا (فإن الله الذي أوجد سلسلة الأسباب والعلل قادر على تعطيل عمل هذه السلسلة، فلا تكون المعجزة خارقة بهذا الاعتبار ولا يختل قانون السببية) وهذا القول كأنه جمع بين ثبوت المعجزات وقانون السببية الذي يرى الأشاعرة عدم ثبوته وبطلانه بعقيدة العادة ولهذا قال مصطفى صبري في تعليقه على النص السابق: (ومراده من عدم كون المعجزات خارقة أنها غير مخلة بقانون السببية وهو الناحية المهمة للمسألة لوجود سببها الذي هو إرادة الله وإلا فالمعجزة تخرق العادة لتعطيل عمل سلسلة الأسباب)