للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الدكتور حسام الألوسي: (ويلوم (ابن سينا) الجُهال من الطبيعيين لأنهم يفتشون عن أصل هذه الطبيعة، ويردونها إلى العناصر المكونة (للسقمونيا) مع أنها لا علة لها في العناصر ولو سئلوا عنه لقالوا: لأن النار حارة ثم السؤال لازم في أن الحار لم يفعل هذا فيكون منتهى الجواب الطبيعي أن يقال: إن الحرارة قوة من شأنها أن تفعل هذا الفعل، ثم إن سئلوا بعد هذا لِمَ كان هذا الجسم حارًا دون البارد لم يكن جوابهم إلا الجواب الإلهي إن إرادة الصانع هكذا اقتضت)

وبهذا فإنه يتبين أنه لا حجة للطبائعيين في رد الشيء إلى نفسه بل لا بد له من مبدع أبدعه فصيره من العدم إلى الوجود وأن الآثار الظاهرة للعيان تتسلسل حتى تعود إلى المؤثر الأول كما يقول ابن القيم: ( .. وهذا كما نقوله في خلقه بالأسباب أنه يخلق كذا بسبب كذا، وكذا بسبب كذا، حتى ينتهي الأمر إلى أسباب لا سبب لها سوى مشيئة الرب) فالشيء لا يتحول بذاته إلى شيء آخر (وهي أن استمرار العادة مهما طال، لا يتحول بذاته، دون أي إضافة أخرى إليه، إلى قانون حتمي، وذلك هو الشأن فيما يتعلق بعلاقات أشياء الطبيعة بعضها ببعض)

وأخيرًا: فإن القول بعقيدة العادة شأنه أن يخل بالنظام الكوني الذي يدل على وجود الخالق المبدع يقول ابن رشد: (وأما الذي قاد المتكلمين من الأشعرية إلى هذا القول فهو الهروب من القول بفعل الطبيعة التي ركبها الله تعالى في الموجودات التي ها هنا، كما ركب فيها النفوس وغير ذلك من الأسباب المؤثرة، فهربوا من القول بالأسباب لئلا يدخل عليهم القول بأن ها هنا أسبابًا فاعلة غير الله، وهيهات! إذا كان مخترع الأسباب! وكونها أسبابًا مؤثرة، هو بإذنه وحفظه

وقال: ولو علموا أن الطبيعة مصنوعة، وأنه لا شيء أدل على الصانع من وجود موجود بهذه الصفة في الأحكام، لعلموا أن القائل بنفي الطبيعة قد أسقط جزءًا عظيمًا من موجودات الاستدلال على وجود الصانع بجحده جزءًا من موجودات الله .. )

وناقش ابن رشد الأشاعرة في القضية السابقة قائلاً (ولو علموا .. أنه يجب من جهة النظام الموجود في أفعال الطبيعة أن تكون موجودة عن صانع عالم وإلا كان النظام فيها بالاتفاق، لما احتاجوا أن ينكروا أفعال الطبيعة .. ) بمعنى (لو رفعنا الأسباب والمسببات لم يكن ها هنا شيء يُرد به على القائلين بالاتفاق، أعني الذين يقولون لا صانع ها هنا).

عقيدة العادة مبطلة لظاهر القرآن

يقول ابن القيم: (أنه -سبحانه- ربط الأسباب بمسبباتها شرعًا وقدرًا، وجعل الأسباب محل حكمته في أمره الديني الشرعي وأمره الكوني القدري، ومحل ملكه وتصرفه فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات، وقدح في العقول والفطر، ومكابرة للحس وجحد للشرع والجزاء والقرآن مملوء من إثبات الأسباب كقوله تعالى: بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة: ١٠٥] وقوله: بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ [الأعراف: ٣٩] وذكر آيات كثيرة إلى أن قال: وكل موضع مرتب فيه الحكم الشرعي أو الجزائي على الوصف أفاد كونه سببًا له كقوله سبحانه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ [المائدة:٣٨] .. وذكر آيات كثيرة إلى أن قال: وهذا أكثر من أن يستوعب وكل موضع تضمن الشرط والجزاء أفاد سببية الشرط والجزاء وهو أكبر من أن يستوعب وكل موضع تقدم ذكرت فيه الباء تعليلاً لما قبلها بما بعدها أفاد التسبب ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ويكفي شهادة الحس والعقل والفطرة)

<<  <  ج: ص:  >  >>