ثم أظرف شيئ احتجاجهم في هذه الطامة بأن الله عز وجل هو الذي خلق ذلك كله.
فقلنا لهم: أوليس فعل كل حي مختار واختياره خلقا لله عز وجل؟ فلابد من قولهم نعم.
فيقال لهم فمن أين نسبتم الفعل إلى الأحياء وهي خلق الله تعالى ومنعتم من نسبة الفعل إلى الجمادات لأنه خلق الله تعالى ولا فرق، ولكنهم قوم لا يعقلون (الفصل ٤/ ٢١٨).
قال أبو محمد: وسمعت بعض مقدميهم يقول: إن من كان على معاصي خمسة من زني وسرقة وترك صلاة وتضييع زكاة وغير ذلك ثم تاب عن بعضها دون بعض فإن توبته تلك لا تقبل.
وقد نص السمناني على أن هذا قول الباقلاني هو قول أبي هاشم الجبائي، ثم قال السمناني هذا قول خارق للإجماع جملة وخلاف لدين الأمة.
هذا نص قول السمناني في شيخه وشهدوا على أنفسهم وأقبل بعضهم على بعض يتلازمون "الفصل ٤/ ٢١٨".
قال أبو محمد: هذا القول مخالف للقرآن والسنن لأن الله تعالى يقول فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: ٧ - ٨] وقال تعالى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا [الأنبياء: ٤٧] وقال تعالى: أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى [آل عمران: ١٩٥] وبالضرورة يدري كل ذي مسكة من عقل أن التوبة من الزنا خير كثير فهذا الجاهل يقول إنه لا يراه صاحبه وأنه عمل ضائع عند الله عز وجل من مسلم مؤمن. ومعاذ الله من هذا.
وسر هذا القول المعلون وحقيقته التي لابد لقائله منه أنه لا معنى لمن أصر على الزنا أو شرب الخمر في أن يصلي ولا أن يزكي فقد صار يؤمر بترك الصلاة الخمس والزكاة وصوم رمضان والحج.
فعلى هذا القول وقائله لعائن الله تتري مادار الليل والنهار ونص السمناني عن الباقلاني شيخه أنه كان يقول أن الله تعالى لا يغفر الصغائر باجتناب الكبائر.
المصدر:موقف ابن حزم من المذهب الأشعري لعبد الرحمن دمشقية - ص ٧٣