للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأن حذيفة رضي الله عنه فهم أن الأحوال السابقة من ترك السنة والعمل بالبدعة والدعوة إليها، كفيل بتمزيق الجماعة المسلمة لذلك سأل لما أمره صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة فقال: " فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ وفي حديث آخر يبين صلى الله عليه وسلم أن هذه البدع وهذا الإحداث في الدين يفرق الأمة المسلمة ويوقعها في الاضطراب فتهتز السلطة والقيادة، والذي من شأنه أن يريق دماء المسلمين لذلك يوصينا صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة على من تولى أمر المسلمين واجتمعت عليه كلمتهم ولو عبدا حبشيا ما دام أنه يسير بهم بكتاب الله تعالى فالعلاج الوحيد لما ستقع فيه الأمة ـ وهي واقعة الآن فيه ـ من الاختلاف والفرقة هو اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده والابتعاد عن هذه الضلالات المفرقة للجماعة فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ((وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فبماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ)) (١).ولخطورة البدعة يحذرنا منها صلى الله عليه وسلم وينهانا عنها فيقول: ((إياكم والبدع)) (٢). وليعلم أن الافتراق من لوازم البدعة والفرقة من سمات أصحابها يقول سبحانه وتعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: ١٠٥]. قال قتادة: يعني أهل البدع (٣).يقول الشاطبي رحمه الله: "والفرقة من أخس أوصاف المبتدعة لأنه خرج عن حكم الله وباين جماعة أهل الإسلام (٤).ولقد جاء الحكم صريحا فيمن أحدث في الدين فقال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (٥). أي: مردود عليه غير مقبول، لما في هذا الإحداث من خطر بالغ على الدين يقول الإمام ابن القيم: ولهذا اشتد نكير السلف والأئمة لها (٦)، وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض، وحذروا فتنتهم أشد التحذير وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد (٧).ولقد حذر الصحابة من البدع، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن أصدق القيل قيل الله, وإن أحسن الهدي هدي محمد, وشر الأمور محدثاتها (٨).وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (٩).


(١) رواه أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٦)، وابن ماجه (٤٢)، وأحمد (٤/ ١٢٦) (١٧١٨٤). من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ١١٦٤): ثابت صحيح. وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (١/ ١٨١). وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٩/ ٥٨٢)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ١٣٦)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٢) رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (١/ ٢٠) وحسنه الألباني في ((ظلال الجنة)).
(٣) انظر ((الاعتصام)) للشاطبي (٤٣).
(٤) ((الاعتصام)) (٩٠).
(٥) رواه البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨). من حديث عائشة رضي الله عنه.
(٦) أي: للبدع.
(٧) ((تهذيب مدارج السالكين)) لابن القيم هذبه عبد المنعم العزي (٢٠٨).
(٨) رواه المروزي في ((السنة)) (٩٠)، وابن وضاح ((البدع والنهي عنها)) (٢٤).
(٩) رواه المروزي في ((السنة)) (٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>