للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" ... فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك علم صدقه، وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف، علم أنه محدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يصغى إليه أو ينظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنهم بين، وكتبهم عارية عن إسناد بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي، وقال الجبائي ... ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمى محدثاً بل يسمى سنياً متبعاً، وأن من قال في نفسه قولاً وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف لا ينبغي أن يلتفت إليه، لكونه من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاً، مخالفاً، ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا وبين مخالفينا بتأمل هذا الفصل في أول وهلة، ويعلم أن أهل السنة نحن دونهم، وأن المبتدعة خصومنا دوننا" (١).بل يذهب رحمه الله أبعد من ذلك فيرى أن ضررهم أكثر من ضرر المعتزلة، فيقول: "ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء؛- أي: المعتزلة – بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم وهم أبو محمد بن كلاب وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري ... " (٢).معللاً رأيه هذا بقوله: "فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردوه على المعتزلة" (٣). وقوله: " ... لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف (٤) ولم تموه. بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي، وإنه لا سمع له ولا بصر ... فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء. والكلابية، والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة، والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه" (٥).وممن عدهم من أهل البدع محمد بن أحمد بن خويز منداد المصري المالكي، فقد روى عنه ابن عبدالبر: أنه قال في كتاب (الشهادات) من كتابه (الخلاف)، في تأويل قول مالك، لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء قال: "أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته ... " (٦).

ومن المتأخرين: الشيخ ابن سحمان، والشيخ عبدالله أبو بطين كما سيأتي ذكر قولهما في ذلك في معرض ردهما على السفاريني في اعتباره الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة.

القول الثاني:

قول من عدهم من أهل السنة، ومن هؤلاء.

السفاريني "١١١٤ - ١١٨٨"؛ حيث قسم أهل السنة إلى ثلاث فرق فقال: "أهل السنة والجماعة ثلاث فرق:

١) الأثرية: وإمامهم أحمد بن حنبل ....


(١) انظر: ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (ص: ١٠٠ - ١٠١).
(٢) انظر: ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (ص: ٢٢٢).
(٣) انظر: ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (ص: ٢٢٣).
(٤) الاستقفاء: الإتيان من الخلف يقال: اقفيته بالعصا، واستقفيته ضربت قفاه بها.
(٥) ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (ص: ١٧٧، ١٧٨).
(٦) انظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ١١٧) "ط. الثانية ١٣٨٨، نشر: المكتبة السلفية بالمدينة المنورة".

<<  <  ج: ص:  >  >>