للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووصايا الصحابة كثيرة متضافرة تأمر بالاتباع وتحذر من الابتداع ولقد سار من بعدهم على نهجهم من التحذير من البدع فأفردوا مصنفات خاصة تأمر بالاتباع ولزوم السنة وتحذر من البدع لخطورتها. حتى لو عدت البدعة بسيطة أو بدا الإحداث في الدين صغيراً, أو كان أمرا فرعياً ميسوراً, فإن لهذا خطره ويجب الحذر منه والنهي عنه. يقول الإمام البربهاري: واحذر صغار المحدثات من الأمو, فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً, وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها فعظمت وصارت دينا يدان بها فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام. فانظر رحمك الله كل من سمعت من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر هل تكلم به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء فإن وجدت فيه أثرا عنهم فتمسك به ولا تتجاوز لشيء ولا تختار عليه شيئا فتسقط في النار (١).إن هذا التحذير من البدعة والهلاك الذي يحيط بصاحبها ليس فقط لخطورة البدعة على الفرد بل لخطورتها على الأمة وتقويضها لأركان الدين, ولقد أدرك أعداء الدين خطورة البدع وأهميتها في تفريق الجماعة المسلمة وزعزعة العقيدة الإسلامية التي توحد المسلمين وتجمعهم فعملوا على إشعال البدع بين المسلمين ومساندتها ورعايتها فما خرجت السبئية إلا من أحضان اليهودية، وما ضل جهم بن صفوان إلا بعد مناقشته للسمنية (٢).وما المعتزلة ومناهجهم الكلامية إلا من أثر الفلسفة اليونانية. وما زال أعداء الإسلام يواصلون طريقهم في محاولات جادة لإضلال المسلمين وصدهم عن دينهم بالتشكيك في السنة النبوية والطعن في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وإثارة الشبهات حولها (٣).

وما يقوم به المستشرقون من العمل على إخراج كتب البدع وتحقيقها ونشرها بدعوى إحياء التراث الإسلامي وما نشرت كتب الفلسفة وكتب أهل الاعتزال إلا تحت مسمى حرية الفكر والعقل المزعومة. أخيراً: إنه لا حياة للمسلمين ولا قوة لهم ولا نصر إلا باتباعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يقتدوا بالصحابة رضي الله عنهم في موقفهم منهما تسليماً وانقياداً واتباعاً وعلى المسلم أن يوقن أن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها فهذا يدحر كل بدعة، يقول ابن القيم: فإن السنة بالذات تمحق البدعة ولا تقوم لها وإذا طلعت شمسها في قلب العبد قطعت من قلبه ضباب كل بدعة وأزالت ظلمة كل ضلالة إذ لا سلطان للظلمة مع سلطان الشمس ولا يرى العبد الفرق بين السنة والبدعة ويعينه على الخروج من ظلمتها إلى نور السنة إلا المتابعة والهجرة بقلبه كل وقت إلى الله بالاستعانة والإخلاص وصدق اللجأ إلى الله والهجرة إلى رسوله بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسنته فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن هاجر إلى غير ذلك فهو حظه ونصيبه في الدنيا والآخرة والله المستعان (٤).

المصدر: موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص٢٠٩


(١) ((شرح السنة)) (٦١).
(٢) السمنية: قوم في الهند دهريون ينكرون من العلم ما سوى الحسيات. انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (٢/ ٧٩٥).
(٣) انظر: ((صراع الغرب مع الإسلام)) لآصف حسين، ترجمة مازن مطبقاني (٩٢، ١١٥).
(٤) ((تهذيب مدارج السالكين)) (٩٠٢)، وانظر: ((الرسالة التبوكية)) لابن القيم (٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>