للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الذهبي في (العلو): "قال الإمام أبو عبدالله بن إسماعيل في آخر الجامع الصحيح في كتاب (الرد على الجهمية)! باب قوله تعالى: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء [هود: ٧]، قال أبو العالية: استوى إلى السماء، ارتفع. وقال مجاهد في اسْتَوَى: علا على العرش. وقالت زينب أم المؤمنين رضي الله عنها: "زوجني الله من فوق سبع سموات".ثم إنه بوب على أكثر ما تنكره الجهمية، من العلو، والكلام، واليدين، والعينين، محتجاً بالآيات والأحاديث، فمن ذلك قوله: "باب قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: ١٠] "، و"باب قوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥] "، "باب قوله: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه: ٣٩]، و"باب كلام الرب عز وجل مع الأنبياء"، ونحو ذلك مما إذا تعلقه اللبيب عرف من تبويبه أن الجهمية ترد ذلك وتحرف الكلم عن مواضعه، وله مصنف مفرد سماه (كتاب أفعال العباد) في مسألة القرآن" (١) اهـ.

وكتب البخاري أيضاً في تقرير بعض مسائل المعتقد كتاب (خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل)، والذي قرر فيه معتقد أهل السنة والجماعة، ونقل كثيراً من نصوص السلف والأئمة في الصفات، والتي سبق أن ذكرنا بعضها في ثنايا كتابنا هذا، ككلامهم في علو الله تعالى على خلقه، وفي كلام الله تعالى، وقرر أنه بصوت كما سبق نقل كلامه. فقال: "وإن الله عز وجل ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، فليس هذا لغير الله عز وجل ذكره. قال أبو عبدالله: وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق، لأن صوت الله جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب، وأن الملائكة يصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا، وقال عز وجل: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً [البقرة: ٢٢]، فليس لصفة الله ند، ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين" (٢) اهـ.

وهذه الصفة مما اتفق الأشاعرة على إنكارها، وتنزيه الله عن الاتصاف بها، بدعوى أنها تستلزم التشبيه، بناءاً على أصلهم في الكلام النفسي.

فإثبات البخاري لكلام الله تعالى وأنه بحرف وصوت، يبطل دعوى انتسابه أو تأثره بابن كلاب، لأن مسألة الكلام النفسي هي من أشهر المسائل التي خالف فيها ابن كلاب السلف، ولذلك اشتد نكير الإمام أحمد عليه كما سيأتي بيانه، وأمر بهجر الحارث المحاسبي بسببه.

فطريقة البخاري في صحيحه في كتاب (التوحيد)، وكذا في كتاب (خلق أفعال العباد) في تقرير المعتقد، ظاهرة في كونه على منهج السلف وطريقهم، الذين يجعلون الكتاب والسنة أصلاً، ثم يتبعونه بكلام السلف من الصحابة والتابعين والأئمة.

كما أن تبويبه لمسائل المعتقد يدل بشكل واضح على عدم كونه من المتكلمين، بل هو مباين لهم غاية التباين.

ومما يؤكد كون البخاري لم يكن موافقاً لابن كلاب، أنه لم يذكره في شيء من كتبه البتة، ولا عرج على كلامه، ولا على كلام أصحابه، كالحارث المحاسبي، والقلانسي، والكرابيسي، وغيرهم. لا في صحيحه، ولا في تواريخه، كالتاريخ الكبير، والأوسط، والصغير، ولا في كتبه الأخرى ككتاب (خلق أفعال العباد).

الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري "٣١٠هـ":

هو إمام المفسرين ومقدمهم محمد بن جرير ابن يزيد بن كثير الإمام العلم المجتهد عالم العصر أبو جعفر الطبري صاحب التصانيف البدعية من أهل آمل طبرستان.

وله كتابان في المعتقد، هما: (التبصير في معالم الدين)، و (صريح السنة)، قد قرر فيهما المعتقد وأبان عن منهجه وطريقته، فضلاً عما سطره في ثنايا تفسيره العظيم.


(١) ((العلو)) (ص: ١٨٦).
(٢) ((خلق أفعال العباد)) (ص: ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>