للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وفي موضوع النبوات وما يتعلق بها من المعجزات الدالة على صدق الأنبياء ذكر شيخ الإسلام جوانب كثيرة دالة على تناقضهم: من ذلك أن بعضهم يقول: إن دلالة المعجزة على التصديق معلومة بالاضطرار، ثم يقولون: عن الله لا يفعل لحكمة، وليست أفعاله تعالى معللة. وهذا تناقض إذ كيف تدل المعجزة – التي هي من أفعال الله ومفعولاته – على صدق النبي، والله لا يفعل لحكمة أبدا؟ يقول شيخ الإسلام: "وأما الطريقة الثانية وهي أجود وهي التي اختارها أبو المعالي وأمثاله، فهو أن دلالة المعجز على التصديق معلوم بالاضطرار، وهذه طريقة صحيحة لمن اعتقد أن الله يفعل لحكمة، وأما إذا قيل: إنه لا يفعل لحكمة انتفى العلم الاضطراري. والأمثلة التي يذكرونها كالملك الذي جعل آية لرسوله خارجا عن عادته، إنما دلت للعلم بأن الملك يفعل شيئا لشيء، فإذا نفوا هذه بطلت الدلالة" (١).ومثل ذلك من علق صدق النبوة على القدرة، وأن الله قادر على أن يميز بين الصادق والكاذب، إنما صح ذلك مع إثبات الحكمة والتعليل، أما مع نفيها فهو متناقض (٢).ومن تناقضهم في هذا الباب قولهم عن المعجزات: إن الله لا يمكن أن يخلقها على يد كاذب، ثم يقولون: إن الله لا ينزه عن فعل أي ممكن، وأنه لا يقبح منه فعل، وحينئذ فيقال لهم قولكم متناقض لأنه إذا جاز أن يفعل الله القبيح جاز أن يخلق المعجزة على يد كذاب، يقول شيخ الإسلام معلقا على قولهم إن الله لا يمكن أن يخلق المعجزة على يد كاذب: "لكن المطالب يقول: كيف يستقيم على أصلكم أن يكون ذلك دليل الصدق، وهو أمر حادث مقدور، وكل مقدور يصح عندكم أن يفعله الله، ولو كان فيه من الفساد ما كان، فإنه عندكم لا ينزه عن فعل ممكن، ولا يقبح منه فعل، فحينئذ إذا خلق على يد الكاذب مثل هذه الخوارق لم يكن ممتنعا على أصلكم، وهي لا تدل على الصدق البتة على أصلكم ... فأنتم بين أمرين: إن قلتم لا يمكنه خلقها على يد الكاذب وكان ظهورها ممتنعا فقد قلتم: إنه لا يقدر على إحداث حادث قد فعله مثله، وهذا تصريح بعجزه ... وإن قلتم: يقدر، لكنه لا يفعل، فهذا حق وهو ينقض أصلكم" (٣). ومعلوم أن من أكثر ما تخبط فيه الأشاعرة مسألة المعجزات.٤ - ومن الأمثلة على تناقضهم قولهم: إن أول الواجبات هو المعرفة أو النظر ثم يقولون لا واجب إلا بالشرع خلافا للمعتزلة، وهذا تناقض بين (٤).والأمثلة على تناقض الأشاعرة كثيرة، وما سبق كاف لإثبات ذلك، وهناك جوانب أخرى من تناقضهم ذكرها شيخ الإسلام (٥).


(١) ((النبوات)) (ص: ٣٦١)، وانظر (ص: ٥٦).
(٢) ((النبوات)) (ص: ٣٦١ – ٣٦٢).
(٣) ((النبوات)) (ص: ١٥٤ - ١٥٥).
(٤) انظر ((درء التعارض)) (٨/ ١٢ - ١٦).
(٥) انظر مثلا: ((نقض التأسيس)) المخطوط (٣/ ١٦٧)، و ((درء التعارض)) (١/ ٣٥٧، ٢/ ٣٩٠، ٣/ ٢٠٦ - ٢٠٧، ٢٥٤ - ٢٥٦، ٥/ ٢٣٨، ٣٤٣ - ٣٤٥) و ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٢٠٩ - ٢٨٩)، و ((التسعينية)) (ص: ١٦٨ - ١٦٩، ٢٢١)، و ((شرح الأصفهانية)) (ص: ١٥٣، ٣٥٥) – ت العودة، وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>