للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وطعن أبو حيان النحوي في التفويض ورجح التأويل عليه. ونقل قول ابن عباس عن آيات الصفات بأن "هذا من المكتوم الذي لا يفسر" وكذلك نقل قول الشعبي وسعيد بن المسيب والثوري "نؤمن بها ونقر كما نصت، ولا نعين تفسيرها ولا يسبق النظر فيها. ثم وصف هذين القولين بأنهما قول من لم يمعن النظر في لسان العرب". ونسب إلى جماهير المسلمين أن الصفات تفسر على قوانين اللغة ومجازات الاستعارة. فما صح في العقل نسبته إليه (أي إلى الله) نسبناه، وما استحال أولناه بما يليق به تعالى" (١). وهذا القول هو الأصل الذي يقول به المعتزلة. ولما قال والد الجويني إن الحروف المقطعة من قبيل الصفات ورجح التفويض زاعماً أنه طريق السلف (٢):

رد عليه القشيري في التذكرة الشرقية قائلا:

"وكيف يسوغ لقائل أن يقول في كتاب الله ما لا سبيل لمخلوق إلى معرفته ولا يعلم تأويله إلا الله؟ أليس هذا من أعظم القدح في النبوات وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد في صفات الله تعالى ودعا الخلق إلى علم ما لا يعلم؟ أليس الله يقول بلسان عربي مبين؟ فإذن: على زعمهم يجب أن يقولوا كذب حيث قال بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء: ١٩٥] إذ لم يكن معلوما عندهم، وإلا: فأين هذا البيان؟

وإذا كان بلغة العرب فكيف يدعي أنه مما لا تعلمه العرب؟ ونسبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه دعا إلى رب موصوف بصفات لا تعقل: أمر عظيم لا يتخيله مسلم، فإن الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف، وقول من يقول: استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها، واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها، والقدم صفة ذاتية لا يعقل معناها، تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء إلى الجهل ... وإن قال الخصم بأن هذه الظواهر لا معنى لها أصلا فهو حكم بأنها ملغاة، وما كان في إبلاغها إلينا فائدة، وهي هدر. وهذا محال ... وهذا مخالف لمذهب السلف القائلين بإمرارها على ظواهرها" (٣). وهذا ما رجحه النووي حيث قال "يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل إلى معرفته" (٤).

المصدر:موقف ابن حزم من المذهب الأشعري لعبد الرحمن دمشقية - ص ١٩


(١) انظر ((تفسير البحر المحيط)) (١/ ١٢١ و ٢/ ١٢٤ ٣/ ٥٢٤).
(٢) ((إتحاف السادة المتقين)) (٢/ ١١٠).
(٣) ((إتحاف السادة المتقين)) (٢/ ١١٠ - ١١١) ((صريح البيان)) (ص: ٣٥) ط/ مجلدة.
(٤) ((شرح مسلم للنووي)) (١٦/ ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>