للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانظر كيف خاف عليه الصلاة والسلام من إضلال الشيطان لعباد الله تعالى بالمبالغة في المديح فيدخل الشيطان على المسلمين من باب تعظيم الرجال والتعصب لهم ولأقوالهم؛ وقد فعل. ولقد عد الإمام الشاطبي رحمه الله: أن التصميم على اتباع العوائد – وهي اتباع ما كان عليه الآباء والأشياخ وأشباه ذلك، وإن فسدت أو كانت مخالفة للحق – عده من أسباب الاختلاف والفرقة، وهذا هو التقليد المذموم الذي ذم الله عز وجل متبعيه حينما قالوا: بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ [الزخرف: ٢٢] ثم قال: قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ [الزخرف: ٢٤] فنبههم على وجه الدليل الواضح، لكنهم استمسكوا بمجرد تقليد الآباء (١).ويبين عمرو بن العاص رضي الله عنه صورة من صور هذا التقليد المذموم الذي يصد عن اتباع الحق وذلك أن رجلا قال له: ما أبطأ بك عن الإسلام وأنت أنت في عقلك؟ قال عمرو: إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدم (يعني أباه ومن هم في طبقته) وكانوا ممن نوازي حلومهم الجبال. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فأنكروا عليه، قلدناهم، فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا وتدبرنا فإذا حق بين، فوقع في قلبي الإسلام (٢).إن التقليد والاتباع المحرم المذموم هو أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول كائنا من كان المخالف (٣).وهذا التقليد المذموم والتعصب الأعمى قد جر ويلات كثيرة على الأمة المسلمة، وأوجب أنواعا من الفساد كثيرة (٤)، منها: "التفرق والاختلاف المخالف للاجتماع والائتلاف حتى يصير بعضهم يبغض بعضا ويعاديه، ويحب بعضا ويواليه على غير ذات الله، وحتى يفضي الأمر ببعضهم إلى الطعن، والهمز، واللمز. وببعضهم إلى الاقتتال بالأيدي والسلاح، وببعضهم إلى المهاجرة والمقاطعة حتى لا يصلي بعضهم خلف بعض، وهذا كله من أعظم الأمور التي حرمها الله ورسوله، والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله ورسوله. وكثير من هؤلاء يصير من أهل البدعة بخروجه عن السنة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، ومن أهل الفرقة بالفرقة المخالفة للجماعة التي أمر الله بها رسوله " (٥).فكل من نصب شخصا كائنا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: ٣٢] (٦).ثم ليعلم أن المتعصب لأحد المذاهب الفقهية فيه شبه بأهل البدع، وهو قريب من منهجهم متحل ببعض سماتهم، يقول ابن تيمية رحمه الله: " ومن تعصب لواحد بعينه من الأئمة دون الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحد بعينه من الصحابة دون الباقين، كالرافضي، وكالخارجي، فهذه طرق أهل البدع والأهواء الذين ثبت بالكتاب والسنة أنهم مذمومون، خارجون عن الشريعة والمنهاج الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن تعصب لواحد من الأئمة بعينه ففيه شبه من هؤلاء " (٧).

المصدر:موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص٢٤٨ - ٢٥١


(١) انظر ((الاعتصام)) للشاطبي (ص ٤٥١).
(٢) ((المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال)) للذهبي (ص ٦٠٦).
(٣) انظر ((الفتاوى)) لابن تيمية (١٩/ ١٤١).
(٤) انظرها مبسوطة في ((الفتاوى)) (٢٢/ ٢١٠ - ٢١٦).
(٥) انظر ((الفتاوى)) (٢٢/ ٢١٠ - ٢١١) باختصار.
(٦) انظر ((الفتاوى)) (٢٠/ ٨)، وانظر (١٩/ ٣٩ - ٤٠).
(٧) الفتاوى (٢٢/ ٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>