للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن أهل الحديث، كما يقول ابن القيم "من أعظم الناس صدقا وأمانة وديانة وأوفرهم عقولا وأشدهم تحفظا وتحريا للصدق ومجانبة للكذب وإن أحدا منهم لا يحابي في ذلك أباه ولا ابنه ولا شيخه ولا صديقه وأنهم حرروا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريرا لم يبلغه أحد سواهم لا من الناقلين عن الأنبياء ولا من غير الأنبياء وهم شاهدوا شيوخهم على هذه الحال وأعظم وأولئك شاهدوا من فوقهم كذلك وأبلغ حتى انتهى الأمر إلى من أثنى الله عليهم أحسن الثناء وأخبر برضاه عنهم واختياره لهم واتخاذه إياهم شهداء على الأمم يوم القيامة ومن تأمل ذلك أفاده علما ضروريا بما ينقلونه عن نبيهم أعظم من كل علم ينقله كل طائفة عن صاحبه وهذا أمر وجداني عندهم لا يمكنهم جحده بل هو بمنزلة ما تحسونه من الألم واللذة والحب والبغض حتى أنهم يشهدون بذلك ويحلفون عليه ويباهلون من خالفهم عليه. وقول هؤلاء القادحين في أخباره وسنته يجوز أن يكون رواة هذه الأخبار كاذبين أو غالطين بمنزلة قول أعدائه يجوز أن يكون الذي جاء به شيطان كاذب وكل أحد يعلم أن أهل الحديث أصدق أهل الطوائف كما قال عبد الله بن المبارك وجدت الدين لأهل الحديث والكلام للمعتزلة والكذب للرافضة والحيل لأهل الرأي ... وإذا كان أهل الحديث عالمين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذه الأخبار وحدث بها في الأماكن والأوقات المتعددة وعلمهم بذلك ضروريا لم يكن قول من لا عناية له بالسنة والحديث أن هذه أخبار آحاد لا تفيد العلم مقبولا ... " (١).ومما يدل لحجية الآحاد مطلقا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الفرقة الناجية قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)) (٢) فلا بد من معرفة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة لمن أراد أن يكون من الفرقة الناجية وهذا لا يمكن إلا من طريق معرفة الأحاديث والآثار وأهل الحديث هم فرسان هذا الميدان وأبطاله وقد أبى الله تعالى كما يقول أبو المظفر السمعاني " أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفا عن سلف وقرنا عن قرن إلى أن انتهوا إلى التابعين وأخذه التابعون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا طريق لمعرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الدين المستقيم والصراط القويم إلا من هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث " (٣).ومما يدل أيضا على أن أحاديث الآحاد توجب العلم كما أنها توجب العمل عمل النبي صلى الله عليه وسلم حيث اقتصر بخبر الواحد في إيجاب العلم فقد كان يبعث الآحاد من الصحابة إلى الملوك والرؤساء والأقطار يدعونهم إلى الإسلام وهذا مما لا بد فيه من العلم بمعنى الاعتقاد الجازم الذي لا يبقى معه شك ولا شبهة (٤).وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في (الرسالة) جملة الأحاديث والآثار التي دلت على ذلك (٥)،


(١) ((مختصر الصواعق)) (٢/ ٣٥٨، ٣٥٩).
(٢) رواه الترمذي (٢٦٤١) والطبراني في الأوسط (٥/ ١٣٧) (٤٨٨٦) قال الترمذي غريب وقال الهيثمى (١/ ١٨٩): فيه عبد الله بن سفيان. قال العقيلى: لا يتابع على حديثه هذا وقد ذكره ابن حبان فى الثقات، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))
(٣) الانتصار لأهل الحديث ((ضمن صون المنطق)) (١٦٦).
(٤) انظر ((توضيح الأفكار)) للصنعاني (١/ ٢٧).
(٥) ((الرسالة)) (٤٠١ - ٤٥٧) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>