للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول بالمجاز على اصطلاحهم قول مبتدع محدث لا أصل له فأئمة اللغة المتقدمون كالخليل بن أحمد وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء لم يتكلموا فيه ولا يوجد فيما وصل إلينا من كتبهم وكلامهم أدنى إشارة إلى هذا الاصطلاح أو حتى إلى تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز. كما لا يوجد هذا التقسيم عند أئمة الفقهاء والأصوليين فالشافعي رحمه الله أول من تكلم في علم الأصول وقد وصل إلينا أهم كتبه في هذا العلم وهو (الرسالة) ولا يوجد في كتابه هذا أدنى إشارة إلى هذا التقسيم لا من قريب ولا من بعيد وكذلك الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الجامع الكبير لم يتكلم فيه بلفظ الحقيقة والمجاز كما أنه لم ينقل هذا التقسيم عن أي واحد من الأئمة كمالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وغيرهم (١).وأما قول الإمام أحمد رحمه الله في كتابه (الرد على الجهمية): "أما قوله تعالى: إِنَّا مَعَكْمْ فهذا في مجاز اللغة ... " (٢). فإنه لم يقصد به المجاز الذي هو قسيم الحقيقة إنما قصد به أنه مما يجوز في اللغة والدليل على هذا قوله رحمه الله بعد كلامه هذا: " وأما قوله: قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:٤٦] فهو جائز في اللغة يقول الرجل الواحد للرجل سأجري عليك رزقك أو سأفعل بك خيرا" (٣). فمن يقول إن الإمام أحمد قال بالمجاز وبالتأويل بناء على ذلك فقد أخطأ ونسب إلى الإمام ما لم يقله والمطلع على مذهب الإمام أحمد وأصحابه المتقدمين يعرف خطأ من يقول بهذا (٤).

وما ذكره أبو عبيد في كتابه (مجاز القرآن) كذلك لم يقصد به المجاز الذي اصطلح عليه المتكلمون بل الذي قصده هو ما يجوز أن يعبر به عن الآية في اللغة فهو يستخدم المجاز بمعنى التفسير فهو يقول في قوله ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ [الأنعام:٤٦] مجازه يعرضون وهكذا فكتابه إذا ما هو إلا تفسير لغريب القرآن.


(١) انظر ((الإيمان)) لابن تيمية (٧٢).
(٢) ((الرد على الجهمية والزنادقة)) للإمام أحمد تحقيق عميرة (١٠١).
(٣) ((الرد على الجهمية والزنادقة)) للإمام أحمد تحقيق عميرة (١٠١).
(٤) انظر ((الإيمان)) (٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>