للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على فساد القول بالمجاز قول القائلين به " أن كل مجاز يجوز نفيه ويكون نافيه صادقا في نفس الأمر فتقول لمن قال رأيت أسدا يرمي ليس هو بأسد وإنما هو رجل شجاع فيلزم على القول بأن في القرآن مجازا أن في القرآن ما يجوز نفيه.

ولا شك أنه لا يجوز نفي شيء من القرآن وهذا اللزوم اليقيني الواقع بين القول بالمجاز في القرآن وبين جواز نفي بعض القرآن قد شوهدت في الخارج صحته وأنه كان ذريعة إلى نفي كثير من صفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن العظيم. وعن طريق القول بالمجاز توصل المعطلون لنفي ذلك فقالوا لا يد ولا استواء ولا نزول ونحو ذلك في كثير من آيات الصفات لأن هذه الصفات لم ترد حقائقها بل هي عندهم مجازات فاليد مستعملة عندهم في النعمة أو القدرة والاستواء في الاستيلاء والنزول نزول أمره ونحو ذلك فنفوا هذه الصفات الثابتة بالوحي عن طريق القول بالمجاز" (١).

وأما زعمهم أن حمل النصوص على معانيها الحقيقية يستلزم التجسيم والتشبيه فلا ريب في بطلانه إذ إنه من المعلوم لكل مسلم أن " كل ما أخبر به الله يستحيل أن يلزم عليه باطل ... ولا يخفى على أحد أن الذي يقول إن الاستواء على العرش يلزمه مشابهة الحوادث أن إلزامه هذا اعتراض صريح على من أخبر بالاستواء وهو الله عز وجل.

فليعلم مدعي لزوم الباطل لظاهر آيات الصفات أن اعتراضه على ربه ومن ظن أن ظواهر آيات الصفات دالة على اتصافه تعالى بصفات تشبه صفات الخلق فهو جاهل مفتر بل ظاهرها اتصافه بتلك الصفات المنزهة عن مشابهة صفات الحوادث. ومن أوضح الأدلة على أن آيات الصفات لم يرد بها شيء من المعاني التي يحملها عليه المتأولون أنها لو كان يراد بها ذلك لبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيانه لأنه لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة إليه كما تقرر في الأصول ولا سيما في العقائد" (٢).ورحم الله الإمام ابن حزم إذ يقول: " كيف يظن به عليه السلام أن يخبر عن ربه خبرا يكلفنا فهمه وهو بخلاف ما يفهم ويعقل ويشاهد ويحس ما ينسب هذا إليه صلى الله عليه وسلم إلا ملحد في الدين كائد" (٣).

فالقول بالمجاز على اصطلاح هؤلاء في القرآن أو الحديث أو اللغة قول مبتدع محدث لا أصل له لا في اللغة ولا في الشرع والقوم قالوا به ليتخذوه مطية لتعطيل النصوص عما دلت عليه من المعاني.

والذين يقولون من أهل السنة بجواز وقوع المجاز في القرآن أو الحديث أو اللغة من الأصوليين واللغويين وغيرهم لم يدركوا حقيقة المسألة وأصل نشأتها وبعدها العقدي وهم في قولهم هذا مخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة موافقون لمنهج المتكلمة من المعتزلة وغيرهم.

المصدر:الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي - ص ١٥٥ - ١٦١


(١) ((منع جواز المجاز)) للشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ٨، ٩، وانظر له أيضا مذكرة في أصول الفقه (٥٧، ٥٨).
(٢) ((منع جواز المجاز)) (٦١).
(٣) ((الإحكام في أصول الأحكام)) (٤/ ٥٤٠، ٥٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>