للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن أبا المعين النسفي قد صرح بهذا في (التبصرة) و (التمهيد). قال في (التبصرة): " إن هذه الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة المروية التي يوهم ظاهرها التشبيه وكون الباري جسما متبعضا متجزيا كانت كلها محتملة لمعان وراء الظاهر والحجج المعقولة ... غير محتملة، والعقول من أسباب المعارف وهي حجة الله تعالى وفي حمل هذه الآيات على ظواهرها ... إثبات المناقضة بين الكتاب والدلائل المعقولة وهي كلها حجج الله تعالى ومن تناقضت حججه فهو سفيه جاهل ... والله تعالى حكيم لا يجوز عليه السفه ... فحمل تلك الدلائل السمعية على ظواهرها كان محالا ممتنعا" (١).وقال في موضع آخر: "إن حمل الآيات على ظواهرها والامتناع عن صرفها إلى ما يحتمله من التأويل يوجب تناقضا فاحشا في كتاب الله تعالى ... فلا يجوز أن يفهم مما أضيف من الألفاظ إلى الله تعالى ما يستحيل عليه ويجب صرفه إلى ما لا يستحيل عليه أو تفويض المراد إليه والإيمان بظاهر التنزيل مع صيانة العقيدة عما يوجب شيئا من أمارات الحدث فيه ... " (٢).والماتريدية كغيرهم من المتأولة لا يوجد لديهم قانون مستقيم في التأويل ولا في التفويض فالماتريدي يؤول بعض النصوص ويجزم بتأويله إياها أي أنه يقطع بأن تأويله هو المعنى المراد من اللفظ كتأويله قوله تعالى: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:١٥] وقوله: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:١٤٢] وقوله: وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ [آل عمران:٥٤] كما أنه يؤول كثيرا من النصوص ولا يجزم ولا يقطع بتأويله لها كما في تأويله لصفة الاستواء والوجه والعينين واليدين ونحوهما من الصفات ويلجأ إلى التفويض في نصوص أخرى كتفويضه لصفة المجيء (٣). والماتريدية بعد الماتريدي اختلفوا فمنهم من رجح التأويل ومنهم من رجح التفويض ومنهم من أجاز الأمرين ومنهم من أجاز التأويل للحاجة. فأبو القاسم الحكيم السمرقندي يرى التفويض مطلقا فهو يقول بعد ذكره لبعض النصوص الخبرية: " فينبغي له - أي للعبد - أن يعتقد ويؤمن بها ولا يفسرها لأن تفسيرها يدخل في مذهب التعطيل ... وإذا رأيت آية المتشابه فدع ذلك إلى الله تعالى ولا تفسره حتى تنجو لأنه ليس فرضا عليك أن تعرف تفسيره بل الفرض عليك أن تؤمن به " (٤).

وذهب أبو المعين النسفي إلى جواز كل من التأويل والتفويض كما أنه ذكر اختلاف مشايخ الماتريدية في ذلك وكذا البياضي وغيره.


(١) ((تبصرة الأدلة)) (ل٧٧، ٧٨)، ((التمهيد)) (١٩).
(٢) ((تبصرة الأدلة)) (ل١١٠، ١١١،١١٣،) ((التمهيد)) (١٩).
(٣) ((التأويلات)) (١/ل٦٥٤)، (ل٣٩٦)، دار الكتب، وانظر ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (٤/ ١٩٢)، ((أبجد العلوم)) لصديق حسن خان (٢/ ١٤١).
(٤) ((السواد الأعظم)) (٢٧)، ((سلام الأحكم)) (١٥٣، ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>