للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في استدلاله بآيات الأنبياء والرسل واتساق العالم: " إنه لم يذكر عن غير الإله الذي يعرفه أهل التوحيد دعوى الألوهية والإشارة إلى أثر فعل منه يدل على ربوبيته ولا وجد في شيء معنى أمكن إخراجه عن حمله ولا بعث رسلا بالآيات التي تقهر العقول ويبهر لها فتثبت أن القول بذلك خيال ووسواس. و ..... مجيء الرسل بالآيات التي يضطر من شهدها أنها فعل من لو كان معه شريك ليمنعهم عن إظهارها إذ بذلك إبطال ربوبيتهم وألوهيتهم فإذا لم يوجد ولا منعوا عن ذلك مع كثرة المكابرين لهم والمعاندين ممن لو أحبوا وجود الإبصار لهم في إظهار آياتهم لوجدوا فثبت أن ذلك إنما سلم للرسل لما لم يكن الإله الحق والخالق للخلق غير الواحد القهار الذي قهر كل متعنت مكابر عن التمويه فضلا عن التحقيق .... " (١).وقال: " وأما دلالة الاستدلال بالخلق فهو أنه لو كان أكثر من واحد لتقلب فيهم التدبير نحو أن تحول الأزمنة من الشتاء والصيف أو تحول خروج الإنزال وينعها أو تقدير السماء والأرض أو تسيير الشمس والقمر والنجوم أو أغذية الخلق أو تدبير معاش جواهر الحيوان فإذا دار كله على مسلك واحد ونوع من التدبير واتساق ذلك سنن واحد لا يتم إلا بمدبرين لذلك لزم القول بالواحد ... " (٢).وهذه الأدلة عند الماتريدي أدلة سمعية حسية وأما الدليل العقلي عنده فهو دليل التمانع (٣).

لذلك احتل دليل التمانع عند الماتريدية الصدارة حتى أصبحوا لا يذكرون غيره وذلك لأن مصدر التلقي عندهم العقل كما تقدم. وصورة دليل التمانع عندهم كما يعرضه أبو المعين النسفي في (التمهيد) هي: " إذا ثبت أن للعالم محدثا أحدثه وصانعا صنعه كان الصانع واحدا إذ لو كان له صانعان لثبت بينهما تمانع وذلك دليل حدوثهما أو حدوث أحدهما فإن أحدهما لو أراد أن يخلق في شخص حياة والآخر أراد أن يخلق فيه موتا وكذا هذا في جميع المتضادات كالحركة والسكون والاجتماع والافتراق والسواد والبياض وغير ذلك إما أن حصل مرادهما ووجد في المحل المتضادات وهو محال وإما أن تعطلت إرادتهما ولم تنفذ ولم يحصل في المحل لا هذا ولا ذاك وهو تعجيزهما وإما أن نفذت إرادة أحدهما دون الآخر وفيه تعجيز من لم تنفذ إرادته والعجز من أمارات الحدث فإذا لم يتصور إثبات صانعين قديمين للعالم فكان الصانع واحدا ضرورة " (٤).وهذا الدليل لا ريب أنه دليل صحيح وبرهان تام على إثبات امتناع صدور العالم عن اثنين (٥).


(١) ((التوحيد)) (٢٠).
(٢) ((التوحيد)) (٢١).
(٣) ((التوحيد)) (٢٠، ٢١).
(٤) ((التمهيد)) (٦).
(٥) انظر ((درء تعارض العقل والنقل)) (٩/ ٣٥٤، ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>