للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوب طاعة الإمام وأن طاعته من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن من أطاع الأمراء ممتثلا أمر الله ورسوله فأجره على الله، أما إن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذ من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم، فما له في الآخرة من خلاق (١)، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم ... وذكر منهم: " رجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفى له؛ وإلا لم يف له)) (٢).إن المرام بالإمام هنا: ليس مقصورا على إمامة المسلمين العامة، بل يشمل كل من ولي أمرا من أمور المسلمين وقام بأمور الناس، وكانت توليته من الإمام العام (٣). فيجري عليه الحكم.

إن طاعة الإمام ليست طاعة مطلقة أو مستقلة، بل طاعتهم تكون ما أطاعوا الله ورسوله، فالطاعة في المعروف. وبالتالي: لا طاعة للإمام إذا أمر بمعصية الله تعالى، فيحرم على من كان قادرا على الامتناع عن طاعة الإمام إذا أمر بمعصية، تحرم عليه هذه الطاعة (٤).

إن على المؤمن أن يتقي الله، ولا تأخذه العزة بالإثم، وتأخذه الأنفة من أن يطيع وينقاد لمن ولي أمر المسلمين مهما كان شكله أو نسبه، ما دام أن يحكم بكتاب الله تعالى. إن وجوب طاعة الإمام، والنهي عن الخروج عليه لا تعني المداهنة والمسايرة لهذا الإمام على حساب الدين، ولا تعني السكوت عن المنكر وتحسين فعل الإمام، بل يجب إنكار المنكر، والأمر بالمعروف مع البقاء على الطاعة العامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه يستعمل عليكم أمراء. فتعرفون وتنكرون. فمن كره فقد برئ. ومن أنكر فقد سلم. ولكن من رضى وتابع)) (٥). وقال: ((إذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا عن طاعة)) (٦). فمن كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه، فليكرهه بقلبه وليبرأ ولا إثم عليه، أما الإثم والعقوبة فتكون على من رضي وتابع (٧).

مسألة: متى يجوز الخروج على الإمام بالسيف وقتاله وخلعه؟ بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم متى يكون ذلك، إنها في حالة واحدة في حال الكفر بالله عز وجل، ففي الحديث عن عبادة بن الصامت قال: ((دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه. . على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان)) (٨).وفي حديث آخر لما ذكر من تغير الأمراء قالوا له: ((يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا)) (٩).وفي حديث آخر قوله: (( ... وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل: يا رسول الله ألا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)) الحديث (١٠).قال النووي رحمه الله: " لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام " (١١).ويقول ابن حجر عن الوالي الكافر: " إنه ينعزل بالكفر إجماعا، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض " (١٢).

المصدر:موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص٢٦٤ - ٢٧٥


(١) انظر ((الفتاوى)) لابن تيمية (٣٥/ ١٣).
(٢) رواه البخاري (٧٢١٢)، ومسلم (١٠٨).
(٣) انظر ((فتح الباري)) (٦/ ١١٦)، (١٣/ ١٢٢).
(٤) انظر ((فتح الباري)) (١٣/ ١٢٣).
(٥) رواه مسلم (١٨٥٤).
(٦) رواه مسلم (١٨٥٥).
(٧) انظر شرح ((صحيح مسلم)) للنووي (١٢/ ٢٤٣)، وانظر ((الفتاوى)) لابن تيمية (٢٨/ ٢٧٧)، (٧٥/ ٧).
(٨) رواه البخاري (٧٠٥٦)، ومسلم (١٧٠٩).
(٩) رواه مسلم (١٨٥٤).
(١٠) رواه مسلم (١٨٥٥).
(١١) شرح ((صحيح مسلم)) (١٢/ ٢٤٣).
(١٢) ((فتح الباري)) (٠١٣/ ١٢٣)، وانظر مستزيدا كتاب الطريق إلى الخلافة " اختصار غياث الأمم " للجويني، اختصار محمد الحسيني (٤٠ – وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>