للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويأمر الله عز وجل نبيه بمخالفة الكافرين وعدم اتباع أهوائهم، يقول عز وجل: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية: ١٨]، ويقول سبحانه: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ [الرعد: ٣٧]. والناظر لأحوال الأمة الآن يجد أن الفرقة قد دبت بين المسلمين، وأن البدعة قد فشت فيهم، وأن في كثير منها مشابهة ومضاهاة للكافرين، مثل الغلو في الصالحين، وكتم العلم أو تحريفه كما فعلت اليهود، أو جحد الحق الذي مع المخالف كما فعلت اليهود والنصارى، والغلو في الدين والابتداع فيه من البناء على القبور، واتخاذ العبادات والأعياد التي لم يشرعها الله ولا رسوله (١)، والذي من شأنه أن يحرف الناس عن الصراط المستقيم، ويلجئهم للسبل المفرقة للأمة.

وحاضر المسلمين اليوم شاهد على ذلك من ترك أكثرهم نصوص الوحيين وجريهم خلف الكافرين ومتابعة عوائدهم وسننهم سواء كان على مستوى الدولة في السياسة والحكم أو على مستوى الفرد في الأخلاق والسلوك مما يوهن جسد الأمة، ويبث الفرقة والاختلاف فيها كما هو واقع الآن.

ولقد بين ابن تيمية رحمه الله الحكمة من النهي عن مشابهة الكافرين، والأمر بمخالفتهم، وأن في ذلك مزيد تمسك بالصراط المستقيم فقال: " وإنما الغرض أن نبين ضرورة العبد وفاقته إلى هداية الصراط المستقيم، وأن ينفتح باب إلى معرفة الانحراف.

وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحكمة، وكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر لأمور منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما؛ في الأخلاق والأعمال.

ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين.

وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام – الذي هو الإسلام لست أعني مجرد التوسم به ظاهرا، أو باطنا بمجرد الاعتقادات من حيث الجملة – كان إحساسه بمفارقته اليهود والنصارى باطنا وظاهرا أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد. ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التميز ظاهرا بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين " (٢).

وإن صاحب هذا التقليد للكافرين هوى في النفوس كان أدهى وأمر، وأشد تفريقا للأمة، لما في اتباع الهوى من صد عن الصراط المستقيم، كما يتضح بالآتي ..

المصدر:موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص٢٩٢ - ٢٩٥


(١) انظر دراسات في الأهواء والفرق والبدع لناصر العقل (ص ٣٥٧ – ٣٦٠)، التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلام ي لجميل اللويحق (ص ٤٩، ٥٢، ١٧٧، ٣٣٩).
(٢) انظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٩٢، ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>