للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلام أبي حنيفة في جميع ذلك صريح غاية الصراحة لا يحتمل التأويل بوجه ما. ومع وضوح نص الإمام أبي حنيفة هذا وصراحته غاية الصراحة بإثبات الفوقية لله تعالى وأنه في السماء وأن من أنكر ذلك أوشك فقد كفر. ترى كثيراً من هؤلاء الماتريدية، ومنهم الكوثرية يحرفون نص هذا الإمام الصريح إلى ضدّ ما يقصده الإمام أبو حنيفة رحمه الله، من إثباته "الفوقية" لله تعالى؛ فيقول هؤلاء المحرفون: إن وجه تكفير الإمام أبي حنيفة لمن قال ذلك - هو إيهام كون الله تعالى في مكان، لأن هذا القائل: يوهم أن لله مكاناً، فكان مشركاً (١)، ويقولون أيضاً: إن المراد من الفوقية" الكبرياء والفوقية بالاستيلاء (٢). واستحالوا "الأينية" - أي الإشارة إلى الله تعالى بأين؟ في حق الله تعالى وقالوا: " ... فلا تتصور الأينية" إلا في الحادث" (٣).وقالوا أيضاً في هذا الحديث: "حديث الجارية" الذي استدل به الإمام أبو حنيفة رحمه الله على فوقية الله تعالى وجواز الإشارة إليه سبحانه وتعالى، وجواز القول "بأين الله"؟ وجواز الجواب "بأنه في السماء":- "أنه مؤول لمخالفة القواطع العقليات والنقليات ... " (٤).

كما حرّفوا الدليل الفطري الذي استدل به الإمام أبو حنيفة رحمه الله، فقالوا: المراد أن السماء قبلةُ للدعاء لا أن الله في السماء. ثم هؤلاء لم يكتفوا بتحريف قول الإمام أبي حنيفة؛ بل حرفوا هذا الحديث "حديث الجارية" أيضاً فقالوا: المراد من "العلو" وكون الله في السماء المنزلةُ والعلوُّ على العباد على القهر والغلبة (٥).

ولا غزو في ذلك؛ فإنهم لا تعودوا تحريف نصوص الصفات القرآنية والحديثية - هان عليهم التحريف لنصوص الإمام أبي حنيفة؛ لأنه أسهل وأيسر. ولشيخنا الألباني كلام مهم في كشف الستار عن تحريفهم لكلام الإمام أبي حنيفة (٦).

تعصب الحنفية الماتريدية للإمام أبي حنيفة في الفقهيات ومخالفتهم له في العقائد:

والعجب كل العجب من هؤلاء الحنفية الماتريدية!.

كيف خرجوا على عقيدة الإمام أبي حنيفة؟.أ- مع أنهم مقلدون له في الفقهيات تقليداً أعمى ومتعصبون له تعصباً مقيتاً، كعادة المقلدة المتعصبة في رفع أئمتهم حتى كأنهم أنبياء مرسلون (٧).

ب- ووصل الأمر بهم إلى أن جعلوا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حنفيةً. وقد اعترف بهذه الحقيقة الشيخ العلامة المفتي محمد شفيع الديوبندي رحمه الله تعالى رحمه واسعة، فأوصى وصيةً مهمةً حريةً بأن تكتب بماء الذهب على ألواح القلوب حيث قال: "لا بأس بأن تكونوا حنفيةً في مذهبكم الفقهي، ولكن إياكم وأن تتكلفوا بجعل الحديث النبوي حنفياً" (٨).


(١) انظر ((شرح الفقه الأبسط)) لأبي الليث السمرقندي (ص ١٧)، المطبوع خطأ باسم أبي منصور الماتريدية، والمطبوع بعنوان "الفقه الأكبر" خطأ أيضاً، و ((تعليقات الكوثري على الفقه الأبسط)) (ص ٥٩)
(٢) ((إشارات المرام)) (ص ١٩٨).
(٣) ((تعليقات الكوثري على الفقه الأبسط)) (ص ١٩٩).
(٤) ((إشارات المرام)) (ص ١٩٩).
(٥) ((إشارات المرام)) (ص ١٩٨).
(٦) انظر ((مختصر العلو)) (ص ١٣٦ - ١٣٧).
(٧) انظر ((حجة الله البالغة)) (١/ ١٥٥)، و ((الإنصاف)) (ص ١٠٠)، وسكت عليه أبو غدة الكوثري.
(٨) انظر ((تكملة فتح الملهم)) للشيخ محمد تقي العثماني (١/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>